ماذا يعني غزو روسيا لأوكرانيا؟
ما آثار ذلك على سوق الطاقة والنفط الخام؟
لماذا يجب أن تهتم الأسواق العالمية بالأزمة الجيوسياسية؟
الكثير من التساؤلات التي تدور في فُلك المتابع للصراع التاريخي بين روسيا وأوكرانيا في شرق أوروبا, وبعيداً عن الترجيحات والتأويلات هناك شواهد حقيقية لتبعات ذلك, حيث الزيادة التي لم تشهدها أسعار الطاقة وتحديداً النفط الخام منذ سبع سنوات, وهذا هو المقياس الفعلي للتأزم, دون تحسينات أو رتوش أي “صراع أكثر عمقاً”، خاصةً وان روسيا تعد مصدر عالمي رئيسي في سوق الطاقة!
منذ العام 2020 عانت البلدان المصدرة للنفط من مشاكل الإنتاج في ظل تفشي فيروس كوفيد-19 لكنه سرعان ما تعافى بعد عامين, لكن ذلك بوحدة قياس الصراعات الجيوسياسية يعد ضئيلاً مقارنة بما يمكن أن يحدث!
وضع الطاقة في روسيا؟
تحديداً هنا جغرافية الطاقة, حيث تعد روسيا عملاقًا في المجال -وهي ثالث أكبر منتج للنفط في العالم وثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي- يمثل الوقود الأحفوري 14 في المائة من الناتج الاقتصادي للبلاد.
تنتج روسيا2 10 ملايين برميل من النفط يوميًا، ما يقرب من 10 في المائة من الطلب العالمي، وهي أكبر مورد للغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة تتجاوز 40%، وهو مصدر مهم لمحطات التدفئة.
يذهب جزء كبير من إنتاج الطاقة الروسي إلى تلبية الطلب الأوروبي، وخاصة الغاز الطبيعي الذي يتم إرساله عبر شبكة من خطوط الأنابيب التي تعود إلى الحقبة السوفيتية التي تمر عبر أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية الأخرى.
سعت موسكو إلى بناء خطوط أنابيب جديدة، بما في ذلك خط أنابيب NS2 المثير للجدل، لتجاوز الشبكات القديمة، كما وافقت أيضًا على خط أنابيب غاز جديد إلى الصين.
على الجانب الآخر, الولايات المتحدة ليست مستوردًا كبيرًا للنفط الروسي -تحصل على حوالي 700000 برميل يوميًا- تقريباً 3 في المائة من طلبها, ولكن حتى الأمريكيين سيتضررون لأن سعر السلعة محدد في الأسواق العالمية.
اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية
بين الطرفين اعتماد متبادل, بحيث يعتمد الكرملين على الإيرادات من أوروبا، بينما تعتمد أوروبا على الطاقة الروسية, لكن العديد من المحللين يقولون إن اعتماد -أوروبا- يعني أن فرض عقوبات على –روسيا- سينجم عنه تأثير حاد في إمدادات الطاقة لديها.
بشكل عام، توفر روسيا حوالي ثلث استهلاك الغاز الطبيعي في أوروبا، والذي يستخدم للتدفئة الشتوية وكذلك لتوليد الكهرباء والإنتاج الصناعي, يلجأ الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى روسيا لأكثر من ربع وارداته من النفط الخام، أكبر مصدر للطاقة في الاتحاد.
بعض دول الاتحاد الأوروبي تعتمد أكثر بكثير من غيرها, تستخدم البرتغال وإسبانيا القليل من الطاقة الروسية، بينما تحصل ألمانيا على أكثر من نصف غازها الطبيعي وأكثر من 30 في المائة من إمداداتها من النفط الخام من روسيا, وتحصل فرنسا على معظم احتياجاتها من الكهرباء من الطاقة النووية لكنها لا تزال تعتمد على الواردات الروسية لتلبية احتياجاتها من الوقود الأحفوري.
صراع الهيمنة على الطاقة
حسب المحللين, لا أحد يعرف تمامًا ما الذي ينوي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين القيام به في أوكرانيا، ويتفق المعظم أن الحرب ستضر ببلده مثل بقية دول العالم, إن لم يكن أكثر، نظرًا لاعتماد الاقتصاد الروسي على الطاقة.
ومع ذلك، من خلال حشد عشرات الآلاف من القوات بالقرب من الحدود الأوكرانية، خلق الرئيس بوتين حالة من التهديد لسوق الطاقة العالمية الذي لم يشهده العالم منذ نهاية الحرب الباردة.
“كانت الحكومات تأمل أن تنتهي هذه الأيام ” ذلك ما قاله رئيس المجموعة الاستشارية للطاقة في المجلس الأطلسي ديفيد غولدوين مضيفاً: “لم يراهن أحد على قطع النفط والغاز الروسي عن السوق العالمية”, فمع بداية الأزمة ارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من 90 دولارًا للبرميل -وهي أعلى مستوياتها منذ 2014 – في ظل تنامي مخاوف بدء الحرب، ولكن في حال بدأت؟!
توقع خبراء الطاقة إن أي غزو سيرفع السعر بسهولة إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، إلى ذلك ارتفع متوسط سعر البنزين العادي في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من 3.50 دولار، بزيادة قدرها 20 سنتًا تقريبًا مقارنةً بالشهر الماضي وما يقرب من دولار واحد عن العام الماضي.
بطبيعة الحال, يضر ارتفاع أسعار الوقود بالمستهلك الذي يسكن المناطق الريفية كونهم ينفقون نسبة أكبر على الطاقة سواء على صعيد التدفئة أو مسافات قيادة السيارات, حيث أنه مقابل كل قرش يرتفع فيه جالون من البنزين، يكلف المستهلكين 4 ملايين دولار يومياً.
تهديد الغاز الطبيعي
يشكل تهديد الغاز الطبيعي التخوف الأكبر لدى المستثمرين، خاصةً وأن روسيا تعد ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم, بأكثر من 760 مليار متر مكعب العام الماضي, أما أوكرانيا فإنها تعد مركز رئيس لنقل الطاقة خاصة إلى أوروبا، بحيث تنقل روسيا 40 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا عبر خطوط الأنابيب الأوكرانية إلى أوروبا, بالتالي في حال توقف الغاز عن التدفق، سيعاني العديد من الأوروبيين تدفئة منازلهم!
وقد تضطر المرافق إلى تقليص إنتاج الكهرباء، وقد تضطر المصانع إلى الإغلاق مبكراً، أو حتى تقييد صادرات النفط إلى أوروبا، هذه التحركات ستضر بالطبع بروسيا وتجعل العقوبات الاقتصادية التي وعدت بها إدارة بايدن وحلفاؤها أكثر عقابية… تضرر كافة الأطراف قد يدفع للبحث عن حلول وسطية!
ذلك يأخذنا لجانب مهم للغاية يتعلق بتساؤلات حول تجنب أزمة الطاقة في حال تأزم الصراع, ما دفع الولايات المتحدة لإنتاج المزيد من النفط خلال الأسابيع الأخيرة، بالإضافة إلى بذل جهود لإحياء اتفاق نووي بين الأخيرة وإيران من شأنه أن يصل إلى مليون برميل يوميًا في السوق العالمية, بالإضافة إلى ذلك نجاح أمريكا في إرسال المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا, أما عن طاقة الرياح فقد كان الشتاء هذا العام في أوروبا مبشراً والرياح أقوى, ما زاد من إنتاجية الطاقة البديلة.
يأتي ذلك بعد أزمة عامين عانى خلالها قطاع النفط وتحديداً النفط الخام, في ظل تفشي وباء كورونا والاغلاقات والقيود المفروضة, وانخفاض التنقيب والإنتاج بسبب الوباء، وانخفاض اهتمام المستثمرين بالنفط والغاز لأسباب بيئية.
تسعر الأسواق العالمية يومياً متغيرات ومستجدات الأزمة الجيوسياسية شرق أوروبا، وتراقب شركات النفط ذلك أيضاً، حيث قال سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لشركة Pioneer Natural Resources وهي شركة نفط وغاز رئيسية في تكساس: “إذا قام بوتين بالغزو، فإن النفط سيرتفع بما يزيد عن 100 دولار إلى 120 دولارًا للبرميل وفي حال رفع بايدن العقوبات عن إيران، فسيكون هناك انخفاض قدره 10 دولارات.”
قال رينيه أورتيز، الأمين العام السابق لمنظمة أوبك ووزير النفط السابق في الإكوادور: “يمكن أن يكون متوسط الأسعار في عام 2022 أقل من عام 2021 مع زيادة الإمدادات من الولايات المتحدة والخليج، بما في ذلك إيران, “هذا هو السيناريو الأفضل، وأعتقد أن الدبلوماسية سوف تسود, سيكون من الجنون أن يغزو بوتين “.
ماذا عن نورد ستريم2 (NS2)
هو توسعة لخط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم الأصلي، والذي تم الانتهاء منه في عام 2011 وينقل الغاز الطبيعي من شمال غرب روسيا عبر بحر البلطيق مباشرة إلى ألمانيا, بحيث وافقت الحكومة الألمانية على الخط عام 2018 وتم الانتهاء من بنائه في سبتمبر 2021, ومع ذلك، واجه عدة تأخيرات وسط التوترات الغربية المتزايدة مع روسيا.
في حال الموافقة، سيسمح الخط لمزيد من صادرات الغاز الطبيعي الروسية إلى ألمانيا لتجاوز أوكرانيا ودول العبور الحالية الأخرى, أي ستحصل موسكو على المزيد من النفوذ على الدول الأوروبية، حسب خبراء.
وفي الوقت نفسه، تشعر دول أوروبا الشرقية، مثل بولندا وأوكرانيا، بالقلق من أن يحرمها الخط من مليارات الدولارات من رسوم العبور السنوية ويضعها تحت رحمة روسيا.
ماذا بعد ذلك؟
تشعر كبرى الأقطاب – أمريكا وأوروبا وروسيا-بالقلق حيال الاضطرابات شرق أوروبا، والمزيد من التخوفات في حال اتخاذ قرار الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
الحكومة الألمانية قالت إنها قد تلغي تمامًا خط نورد ستريم2، روسيا توعدت بوقف امدادات أوروبا من الغاز والنفط، الرئيس الأمريكي جو بايدن هدد بفرض “تكاليف باهظة” بما في ذلك عزل البنوك الروسية عن النظام المالي العالمي, حلقة مفرغة ستؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل أكبر، وزيادة التضخم، وتقويض الانتعاش الاقتصادي في أوروبا.