ماذا يقصد بنظام تعويم العملة؟ وما هي المعايير المستخدمة في هذه العملية؟ وما هي الأسباب الرئيسية للتعويم؟ وما مدى التأثير السلبي والإيجابي على اقتصاد الدول؟ تساؤلات كثيرة يطرحها المستثمرين حول هذا المصطلح الشائع في الأسواق المالية.
نظام تعويم العملة
عبارة عن قرار حكومي يقضي بصرف عملة الدولة بصورة محررة عن باقي عملات العالم، إذ يجعل سعر صرف العملة محرر بشكل تام عن العملات الأجنبية الأخرى، وعلى هذا النحو، فإن تعويم العملة يمنع تدخل الحكومات أو البنوك المركزية في تحديد سعر صرفها بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث يتم تحديد سعر الصرف بناءً على معطيات آليات العرض والطلب في الأسواق المالية، والتي من خلالها يتم تحديد القيمة الفعلية للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية الأخرى، وعليه، فإن أسعار صرف العملة العائمة تشهد تقلبات وتغيرات بشكل مستمر، وقد يصل الأمر إلى أن تتغير عدة مرات في يوم واحد.
أشكال التعويم في الأسواق؟
التعويم المُوجه
خلال هذا الشكل يتم تحديد سعر الصرف بواسطة قوى الأسواق ومعايير العرض والطلب بصورة كبيرة، إلا أن الحكومات تتدخل بواسطة البنوك والمصارف المركزية في تحديد سعر صرف العملة، ويحدث ذلك وفقاً لاحتياجاتها خلال فترة زمنية محددة، أو بغرض التأثير المباشر على آليات العرض والطلب الخاصة بالعملات الأجنبية الأخرى.
التعويم الخالص
من خلال التعويم الخالص يتم تعويم عملة دولة ما وتحديد سعر صرفها عبر قوى وآليات السوق المالي في الدولة، ومعايير العرض والطلب بصورة كاملة، وبعد سلسلة من التجارب الدولية حول تعويم العملة، نجد أن الدول تلجأ إلى هذه السياسة في حالات الاضطرابات المالية والاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى زيادة التنافس والمضاربة في أسواق النقد الأجنبية، أو فقدان البنك والمصرف المركزي السيطرة على العملة الوطنية للدولة.
ويطلق على هذا الشكل ” التعويم الحر أو المباشر”، حيث لديه حرية كاملة في تغير سعر صرف العملة العائمة دون تدخل أي مؤسسة مالية رسمية، ويحدث وفقاً لمعطيات السوق المالي في الدولة والتي تقاس بناءً على حجم العرض والطلب فقط.
بالإضافة إلى ذلك يحدث التعويم الحر في الدول المتقدمة ذات الإيديولوجية الرأسمالية الصناعية، مثل دول الدولار الأمريكي، والجنيه الإسترليني، والفرنك السويسري.
معنى تعويم العملة؟
كثير من المستثمرين يبحثون عن معنى تعويم العملة خلال محركات البحث! وهل يحدث هذا النظام المالي بسبب ظروف طارئة في الدولة؟ أم أن الحكومات لها دور في ذلك؟
تعويم العملة هو مصطلح اقتصادي مالي، وهو يعني التخلي الكامل للأسواق عن سعر صرف العملة الوطنية لتصبح محررة بشكلٍ كامل، حيث تصبح قيمة سعر صرف العملة العائمة محررة تماماً مقابل العملات الأجنبية الأخرى، دون أي تدخل من الحكومات أو البنوك والمصارف المركزية في الدولة، وعلى الرغم من أن هناك بعض حكومات تدخل بشكلٍ مباشر في تعويم العملة، إلا أن النسبة الأكبر لا يحدث ذلك، وإنما تحدث عملية تعويم العملة بناءً على أسس ومعايير العرض والطلب في الأسواق المالية العالمية “سوق العملات الورقية”، والذي من خلاله يتم تحديد سعر الصرف مقابل العملات الأخرى.
علاوة على ذلك، تبقى أسعار صرف العملات العائمة تتغير بصورة مستمرة، وذلك بسبب تقلبات العرض والطلب المتكررة في السوق على العملات الأجنبية، وبالتالي فإن نسبة تقلب سعر صرف العملة العائمة كبيرة جداً، وقد يصل الأمر إلى تغير سعره عدة مرات خلال ساعات قليلة.
ويمكن القول إن معنى تعويم العملة بشكله البسيط، هو عدم وضوح وتحديد سعر صرف عملة معينة لدولة معينة وتركها تتغير أمام سعر صرف العملات الأجنبية وفقاً لتقلبات السوق، بحيث يؤدي زيادة الطلب ونقص العرض على العملة في الأسواق إلى ارتفاع سعر صرفها، والعكس صحيح فإن نقص الطلب وزيادة العرض يؤدي إلى انخفاض قيمتها السوقية.
في غضون ذلك، فإن البنوك والمصارف المركزية في الدولة لا تقوم باستهداف سعر صرف معين لعملتها الوطنية، وخاصة في حالة التعويم الكامل والمطلق لها، بل يصبح سعر صرف العملة العائمة في حالة التعويم المطلق، مشابهةً لسعر صرف الذهب والمعادن الثمينة الأخرى التي لا تخضع لأي سعر ثابت في الأسواق المالية العالمية.
ونتاجاً لذلك أصبح مصطلح تعويم العملة والعمل به شائع بين العامة في الأسواق السوداء، وبات تجار العملة يتصرفون به دون التقيد بتعليمات البنوك والمصارف المركزية في الدولة، أو حتى دون التقيد بآليات العرض والطلب في السوق، متجاهلين السياسة النقدية وتعليمات خبراء الاقتصاد والمال في الدولة.
من ناحية أخرى، نجد أن ذلك قد حدث في كثير من الدول التي تعاني من حالة اقتصادية ضعيفة، كما هو الحال الآن في جمهورية مصر العربية، ودولة الجزائر، وغيرهم، كما أن توتر الأوضاع السياسية والأمنية في كل من سوريا وليبيا واليمن، أدى إلى حدوث تقلبات غير نظامية في سعر صرف عملات تلك الدول.
وعلى الرغم من أن البنوك والمصارف المركزية التابعة لمثل هذه الدول، شرعت قوانين ونهج مالي بعد تعويم العملة، إلا أنها لم تستطع وقف تدهور سعر صرف عملتها أمام الدولار الأمريكي.
مميزات تعويم العملة
كثير من الأشخاص والمستثمرين يتسائلون حول إذ كان لعملية تعويم العملة مميزات وفوائد تعود على اقتصاد الدول، ويمكن الجزم بأن أسعار صرف العملات العائمة تتمتع بسلسلة من المميزات والفوائد، وهي على النحو التالي:
الاستقرار التام لميزان المدفوعات في الدولة “BOP”
لكل دولة وكيان في العالم ميزان مدفوعات معين خاص به، فهو عبارة عن بيان وإحصائيات والمعاملات بين دولة والكيانات الأخرى في العالم، ومن الناحية النظرية فإن حدوث أي خلل في هذه البيانات يغير بسعر صرف العملة بشكل تلقائي، إذ نجد أن الخلل في قيمة سعر الصرف قد يؤدي إلى عجز وانخفاض في قيمة العملة العائمة، وعليه تصبح قيمة صادرات الدولة أرخص بكثير.
علاوة على ذلك فإن هذا الأمر يؤدي إلى زيادة حجم الطلب وتحقيق توازن في ميزان المدفوعات العام للدولة.
تحرير السياسة داخل الدول
في ظل وجود نظام سعر صرف عائم في الأسواق المالية، أصبح تصحيح عجز ميزان المدفوعات في الدولة يحدث وفقاً للتغيرات في سعر الصرف الخارجي للعملة، وفي حال كانت الدولة تتبنى سعر صرف ثابت للعملة، فإن انخفاض عجز المدفوعات قد يتم وفقاً لأسس سياسة الانكماش العام للاقتصاد الكلي.
في السياق، قد يحدث عواقب وخيمة في الدولة بسبب الانخفاض في ميزان المدفوعات مثل: “البطالة، وضعف الحالة الاقتصادية، وانخفاض القدرة الشرائية”، وبالتالي فإن تعويم العملة تتيح للحكومات متابعة الأهداف السياسية الداخلية ودراسة النمو الاقتصادي الكامل، دون وجود أي قيود من العملات الأجنبية الخارجية.
التعامل مع العملة الأجنبية غير المقيدة
تعويم العملة يتيح للحكومات تداول العملات الأجنبية ذات أسعار الصرف العائمة دون وجود أي قيود على تداولها، وعلى عكس المتوقع، فإن تداول العملات الورقية ذات سعر صرف ثابت، أمام العملة العائمة أمر صعب للغاية، وبالتالي هذا الأمر لا يتطلب وجود بنوك ومصارف مركزية لإدارة عملية التعامل بين العملة العائمة والعملات الأجنبية غير المقيدة.
التقليل من الأزمة الاقتصادية
غياب الأزمة من أهم فوائد ومميزات تعويم العملة، حيث تتسم فترات صرف العملة الثابت بمرور كثير من الأزمات والضغوط على البنوك والمصارف المركزية لإعادة قيمة صرفها مرة أخرى، وبالرغم من ذلك فإن البنك والمصرف المركزي في الدولة الذي ساهم في خفض قيمة سعر العملة وتعويمها سيتوقف عن ذلك بعد فترة زمنية قليلة بسبب نفاذ العملة المحلية.
وعلى ذات المسار، فإن المصارف المركزية التي قيمت سعر صرف العملة مقابل العملات الأجنبية الأخرى ستقع أزمة غرق كبيرة بهذه العملة، أي ستحصل عليها بكميات كبيرة مقارنةً مع العملات الأخرى، أما في ظل وجود نظام وأسلوب تعويم العملة فإن التغييرات ستحدث بشكل تلقائي دون تدخل من أحد، وبالتالي فإن نسبة حدوث الأزمة الاقتصادية ضعيفة للغاية.
تعزيز كفاءة الأسواق المحلية
من المعروف لدى الجميع أن أسس الحالة الاقتصادية في الدولة تؤثر وتتأثر بسعر صرف العملة في الأسواق المالية العالمية، وهذا يؤثر على تدفق العملات بين الدول، وإن سعر صرف العملة العائمة يعزز من كفاءة الأسواق المحلية، وبالتالي يزيد من كفاءة السوق أمام الأسواق العالمية.
الإدارة الجيدة
يشير خبراء الاقتصاد أن وجود نظام تعويم العملة يزيد من قوة الحكومات على إدارة السلطات النقدية بشكلٍ أكبر، وبدقة أكثر فإن هذا النظام يسهل على المؤسسات المالية في الدولة التلاعب بالقيم الخارجية للعملة المحلية.
تخزين احتياطي كبير من العملة الأجنبية أمر غير المطلوبة
فيما يخص العملة العائمة فإن البنوك والمصارف المركزية للدولة لا يتعين عليها الاحتفاظ بكميات كبيرة من احتياطي العملات الخارجية الأجنبية، وذلك للحفاظ على سعر عملتها المحلية، وبالتالي فإن ذلك يؤدي إلى إستخدام احتياطي العملة لتعزيز نمو الحالة الاقتصادية عبر استيراد السلع والخدمات الرأسمالية.
المرونة والبساطة
الأحداث والأزمات التي مرت على الأسواق التجارية العالمية منذ عام 1973 إلى يومنا هذا أدت إلى حدوث كثير من التغيرات في سعر صرف العملات، ومن أبرزها نظام تعويم العملة الذي منح مرونة في أسواق المال العالمية.
حماية الواردات من التضخم
معظم الدول ذات أسعار الصرف الثابت لعملاتها تواجه مشاكل تضخم الاستيراد، وذلك من خلال ارتفاع أسعار الواردات وميزان المدفوعات، ولكن الدول أصحاب العملات العائمة لا يعانون من مشاكل الاستيراد تلك.
عيوب تعويم العملة
كما أي نظام مالي واقتصادي له تأثير إيجابي وسلبي، وعلى هذا الأساس فإن نظام تعويم العملة تمتلك بعض العيوب والآثار السلبية في اقتصاد الدول، وعليه يمكن اعتبار ما يلي أبرز عيوب تعويم العملة:
عدم استقرار الأسواق التجارية
إن التقلبات والتغيرات التي تطرأ على قيمة سعر صرف العملة يومياً يؤثر بشكل سلبي على استقرار التجارة في الدولة، حيث قد لا يكون التجار متأكدون بشكل كامل حول مقدار الأموال التي يبيعون بها، كما أن البائع في الدولة لن يستطيع قياس الأرباح من البضائع الواردة والصادرة، فمن الوارد جداً أن يحدث تقلب في سعر صرف العملة قبل وبعد عملية البيع والشراء، وبالتالي حدوث عدم استقرار لدى التجار.
قلة فرصة الاستثمار في الدولة
من الطبيعي أن تعويم عملة بلد ما وحدوث عدم استقرار تجاري يؤدي إلى تقليل فرص الاستثمار الأجنبي في البلاد، حيث تخشى الشركات متعددة الجنسيات الاستثمار في دول غير مستقرة اقتصادياً ولا مالياً، تجنباً لحدوث أي خسارة في أموال رأس المال.
المضاربات
إن تقلبات وتغيرات سعر صرف العملة قد تشجع وتزيد من حركات المضاربات المالية من دولة لآخر، وبالتالي فإن ذلك يتسبب في مزيد من تغيرات قيمة سعر صرف العملة العائمة.
غياب الانضباط
الحكومات في جميع الدول ترغب في ضبط الاقتصاد الوطني في الأسواق المحلية والعالمية، إلا أن نظام تعويم العملة وتقلب أسعاره قد يٌحدث خلل كبير في السوق مما قد يؤدي إلى غياب الانضباط، حيث إن تلك الدول تتجاهل مشاكل قصيرة المدة مثل التضخم وعدم الانضباط إزاء قرار التعويم.
مخاطر تعويم العملة
من أكثر التساؤلات التي تراود تفكير كثير من الأشخاص والمحللين الاقتصاديين، هل أن تعويم العملة يحمل مخاطر كبيرة على اقتصاد الدول؟! ومن هنا يمكن القول إن المخاطر والآثار السلبية التي تحدث نتيجة تعويم العملة تتجلى في الاستغناء عن سعر صرف العملة، وهذا من خلال التعادل مع العملات الأخرى، إذ تصبح حينها محررة دون أن تتدخل الحكومة أو البنوك المركزية.
أبرز مخاطر تعويم العملة
أولاً: من الممكن أن تؤثر بشكل سلبي على القيمة النقدية المحلية، وذلك بحدوث إما انخفاض أو ارتفاع شديد، وبالتالي تتأثر الأسعار ويضعف النمو الاقتصادي والتجاري الخارجي، مع حدوث انخفاض حادة في موازنة مدفوعات العامة للدولة.
ثانياً: التأثير السلبي على حركة الصادرات، بسبب ارتفاع أسعار الأسواق المحلية مما يؤدي إلى انخفاض حجم الطلب على السلع، ويحدث ذلك عندما ترتفع أسعار صرف العملة مقارنةً مع أسعار صرف العملات الأجنبية.
ثالثاً: خروج رؤوس الأموال والمستثمرين للاستثمار في الخارج، وهذا بسبب وجود فرص أكبر لاستبدال العملات ووجود خيارات أوسع أمامهم في الخارج، مما يهدد ميزان مدفوعات الدولة صاحبة العملة العائمة.
رابعاً: التأثير السلبي للصناعات المحلية للدولة، وهذا يحدث نتيجة التداخل بينها وبين الواردات التي تتنافس معها بنفس المجال، وإن المستوردين محلياً يعانون من انخفاض نسبي للسلع والخدمات الأجنبية، وبالتالي فإن هذا يؤدي إلى انهيار وتباطؤ في النمو الاقتصادي للدولة وتراجع أداء الإنتاج وزيادة البطالة.
تابع المزيد من مقالات الفوركس عبر أكاديمية MENA