التضخم الاقتصادي والركود الاقتصادي كلاهما جانبان مهمان للاقتصاد الكلي، ما يعني أنهما يؤثران على الاقتصاد ككل, لذلك، فهم هذه الجوانب من الممكن أن تساعد في اتخاذ القرارات الصحيحة لحماية الاستثمارات والأصول، ويظهر الفرق الرئيسي بين التضخم والركود الاقتصادي بأن التضخم الاقتصادي هو مصطلح يشير إلى الزيادة العامة في مستويات الأسعار في حين أن الركود الاقتصادي هو مصطلح يشير إلى مستوى الانخفاض في النشاط الاقتصادي.
علاوة على ذلك, التضخم المصحوب بالركود هو مصطلح يستخدمه الاقتصاديون لتعريف اقتصاد به تضخم، ومعدل نمو اقتصادي بطيء أو راكد، ومعدل بطالة مرتفع نسبيًا. حيث يحاول صناع السياسات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم تجنب الركود التضخمي بأي ثمن. خاصةً وأنه مع الركود التضخمي، يتأثر مواطنو الدولة بمعدلات التضخم والبطالة المرتفعة, في غضون ذلم تساهم معدلات البطالة المرتفعة في تباطؤ اقتصاد أي بلد، مما يتسبب في تقلب معدل النمو الاقتصادي بما لا يزيد عن نقطة مئوية واحدة أعلى أو أقل من الصفر.
مفهوم التضخم الاقتصادي
التضخم الاقتصادي Economic Inflation, هو ظهور تغيرات نسبية بمستويات أسعار العام من خلال الاعتماد على استخدام الرقم القياسي الخاص بسعر المستهلك. لأنه يوضح كمية العرض على السلع والخدمات، سواء أكانت المنتجة محليا أو المستوردة، ويعرف أيضا التضخم الاقتصادي بأنه زيادة بشكل مستمر على الأسعار الخاصة بالمنتجات والخدمات. ولا تتمكن السلطات الحكومية من السيطرة عليها. ومن التعريفات الأخرى للتضخم الاقتصادي هو ظهور ارتفاع تدريجي بالأسعار نتيجة للتوسع في الطلب أو العرض أو زيادة التكاليف.
أسباب ظهور التضخم الاقتصادي
يعد التضخم الاقتصادي من الظواهر الاقتصادية التي تسببها مجموعة من الأسباب، ومن أهمها:
ارتفاع التكاليف الخاصة بالإنتاج
وهي ظهور زيادة بأسعار المنتجات والخدمات بسبب زيادة التكاليف الخاصة بالإنتاج. والتي يقصد بها ارتفاع أسعار الخدمات الخاصة بالعوامل الإنتاجية بمعدل يفوق إنتاجها الحدي, فتؤدي تلك الزيادة مع ثبات الإنتاج إلى ارتفاع التكلفة الانتاجية. بالتالي زيادة سعر البيع تفادياً لانخفاض الأرباح.
ظهور زيادة بالطلب الكلي
أي ظهور فرط في الطلب على المنتجات والخدمات؛ وذلك يعني زيادة الطلب على العرض؛ بالتالي ارتفاع أسعار هذه المنتجات.
ظهور انخفاض بالعرض الكلي
وينتج هذا الخلل نتيجة لعدة عوامل أهمها:
- قلة العناصر الانتاجية مثل الموظفين والمواد الأولية.
- عدم كفاية الانتاج، بسبب استخدام وسائل انتاجية قديمة لا توفر المتطلبات الحديثة للسوق، أو نقص العوامل الفنية للإنتاج.
- الاستخدام الكامل لعناصر الإنتاج؛ مما يؤدي إلى عجز الجهاز الإنتاجي على توفير جميع حاجات الطلب المرتفع.
تأثير الفوائد المصرفية
حيث تحتفظ المصارف بنسبة صغيرة من قيمة الودائع وليس بكامل القيمة؛ مما يؤدي إلى صدور أضعاف كبيرة من النقود الخاصة بالودائع ينتج عنها إرتفاع في العرض النقدي، مما يساهم في ظهور التضخم النقدي، والاعتماد على القروض كوسيلة تقلل الفجوة بين الطلب والعرض.
الكوارث الطبيعية والحروب
كلاهما يؤديان إلى تراجع الإنتاج وتقليل نسبة العرض بالتالي ظهور ضعف في العملة المحلية وعجز في الميزانية.
الاعتماد على السلع والخدمات المستوردة
وذلك يظهر في القطاعات الاقتصادية الصغيرة التي تسد احتياجاتها من خلال استيراد المنتجات من القطاعات الاقتصادية الأخرى؛ مما يؤثر على أسعار بيعها التي ترتفع في الأسواق المحلية.
آثار التضخم الاقتصادي
أبرز الآثار السلبية التي ينتجها التضخم الاقتصادي في ما يلي:
أثر التضخم على القوة الشرائية للنقود
الارتفاع المستمر في أسعار الخدمات والسلع يؤدي إلى فقد جزء من قوة العملة الشرائية، وذلك ينعكس على إضعاف ثقة الأفراد بالعملة الوطنية، وشراء السلع المعمرة والعملات الصعبة والعقارات خوفاً من أن ترتفع أسعارها مستقبلا؛ بالتالي تضعف عملية الادخار وتفقد العملة وظيفتها كمخزن للقيمة.
أثر التضخم على هيكل الإنتاج
يوجه التضخم الاقتصادي رؤوس الأموال إلى الأنشطة الاقتصادية التي لا تفيد النهضة الاقتصادية في مراحلها الأولى، ويعود السبب لارتفاع أسعار وأرباح القطاعات الإنتاجية المخصصة لإنتاج السلع الاستهلاكية، على حساب الأنشطة الاستثمارية والإنتاجية، والتي تعتبر الأساس في تحقيق النمو الاقتصادي.
أثر التضخم على الادخار
عدم توازن الشركات والحكومات في الإنفاق على الاستهلاك، تقل قدرتها على الاستثمار والادخار في المستقبل.
أثر التضخم على توزيع الثروة
تلجأ البنوك المركزية لرفع سعر الفائدة لخفض مستويات الطلب؛ بالتالي يتضرر الموظفين والعمال نظراً لانخفاض القيمة الحقيقية لرواتبهم.
أثر التضخم على ميزان المدفوعات
يؤدي ارتفاع الأسعار المحلية إلى انخفاض قدرة صادرات الدولة على المنافسة مقارنة بأسعار سلع الدول المنافسة لها؛ فتقل صادرات تلك الدولة؛ الأمر الذي يحدث عجزاً في ميزان المدفوعات.
على الرغم من ذلك، إلا أن الدول التي تشهد ركوداً اقتصادياً يكون التضخم هدفا لهاً، كما هو الحال عندما ينخفض النمو الاقتصادي بصورة كبيرة، أو عندما تسجل الدول انكماشاً مما يجعل الحكومات المختصة تقوم بإجراءات تساعد على رفع مستوى الطلب على الخدمات والسلع.
بالتالي فإن وجود قدر مقبول من التضخم الاقتصادي سيشجع المنتجين على الاستمرار في الإنتاج رغبة في الحصول على الأرباح، لكن وفي المقابل، فإن الارتفاع الكبير في معدلات التضخم يؤدي إلى آثار اقتصادية سلبية كما وضحنا سابقاً.
نفذ الرئيس نيكسون ثلاث سياسات، تُعرف باسم “صدمة نيكسون”، والتي أدت إلى تفاقم الوضع الاقتصادي في السبعينيات وأدت إلى الركود التضخمي.
تعريف الركود الاقتصادي
الركود الاقتصادي Economic recession, هو تراجع الأنشطة الاقتصادية التي تؤدي إلى انخفاض أو تسجيل نمو سلبي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، لمدة فصلين متعاقبين أو أكثر، وذلك ينتج عن عدم الملاءمة بين الإنتاج والاستهلاك، وقد كانت معظم حالات الركود في العالم قصيرة الأمد, ويطلق على الركود الاقتصادي طويل الأمد بالكساد الاقتصادي، وإذا كان خطيراً يوصف بالإنهيار الاقتصادي.
غير أن تعريف الركود الاقتصادي بأنه هبوط الناتج المحلي الإجمالي لستة شهور أو أكثر، يعارض عليه العديد من الاقتصادين لسببين أولهما أن التعريف لا يأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي تطرأ على المؤشرات، ومن هذه التغيرات معدل البطالة وثقة المستهلك, وثاني سبب هو أن استخدام فترة ربع العام تصنع صعوبة في تحديد الوقت الذي يبدأ وينتهي فيه الركود الاقتصادي، أي أن الركود الذي يستمر مدة عشرة شهور لا يمكن رصده.
وثمة اجتهاد آخر في تعريف الركود الاقتصادي مفاده أنه يقع بعد أن يصل النشاط الاقتصادي بما فيه الإنتاج الصناعي ومبيعات تجار التجزئة والتوظيف إلى ذروته ثم يبدأ بالهبوط، ويستمر الركود إلى أن يتعافى النشاط الاقتصادي ويبدأ في الارتفاع.
أسباب حدوث الركود الاقتصادي
تتنوع الأسباب التي تؤدي إلى الركود الاقتصادي ومن أهما ما يلي:
- التضخم الاقتصادي: يعد أهم مساهم في حدوث الركود الاقتصادي.
- الكوارث الطبيعية والحروب: حيث يتم إهدار موارد الاقتصاد، ويمكن أن يتأثر الناتج المحلي الإجمالي بشدة.
- البطالة: بسبب زيادة تكلفة الإنتاج والتضخم المرتفع، يتعين على الشركات تسريح عدد من العمال، وهذا بدوره يقلل عدد السلع المنتجة.
- سياسة الحكومة: تقوم الحكومة بتنفيذ عدة إجراءات مثل مراقبة الأسعار والأجور، وتعتبر هذه الإجراءات غير مواتية من قبل الشركات والمستثمرين. بالتالي فإن النشاط الاقتصادي سيعاني.
آثار الركود الاقتصادي
أهم الآثار التي يخلفها الركود الاقتصادي في ما يلي:
– انخفاض مستوى الطلب الإجمالي بسبب تراجع الاستهلاك والاستثمار.
– انخفاض الإيرادات الضريبية بسبب تراجع أرباح الأفراد والشركات.
– اتساع رقعة الشركات المفلسة بسبب انخفاض الطلب على منتجاتهم.
– ارتفاع معدلات البطالة.
– انخفاض قيمة الأصول مثل الأسهم والعقارات بسبب تراجع نشاط المضاربة.
مثال على الركود التضخمي؟
على سبيل المثال, عندما تطبع الحكومة العملة (يزيد المعروض النقدي الامر الذي يؤدي إلى التضخم)، بينما ترفع الضرائب (مما يؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي) ذلك ما يؤدي إلى التضخم المصحوب بالركود.
علاج الركود التضخمي؟
لا يوجد علاج نهائي للركود التضخمي, الإجماع بين الاقتصاديين هو أنه يجب زيادة الإنتاجية إلى الحد الذي يؤدي فيه إلى نمو أعلى بدون تضخم إضافي. سيسمح هذا بعد ذلك بتشديد السياسة النقدية لكبح جماح عنصر التضخم في الركود التضخمي (وهذا القول أسهل من فعله، لذا فإن مفتاح منع الركود التضخمي هو أن تكون استباقيًا للغاية في تجنبه).
تاريخ التضخم المصحوب بالركود
كان يعتقد منذ فترة طويلة أن التضخم المصحوب بالركود “مستحيل”. لأن النظريات الاقتصادية التي هيمنت على الأوساط الأكاديمية والسياسة استبعدته من نماذجها عن طريق البناء, على وجه الخصوص, النظرية الاقتصادية لمنحنى فيليبس، التي تطورت في سياق الاقتصاد الكينزي، صورت سياسة الاقتصاد الكلي على أنها مقايضة بين البطالة والتضخم.
نتيجة للكساد الكبير وصعود الاقتصاد الكينزي في القرن العشرين، أصبح الاقتصاديون منشغلين بمخاطر الانكماش, وجادلوا بأن معظم السياسات المصممة لخفض التضخم تميل إلى جعله أكثر صرامة بالنسبة للعاطلين، والسياسات المصممة لتخفيف البطالة -رفع التضخم-.
أظهر التضخم المصحوب بالركود التضخمي عبر العالم المتقدم في منتصف القرن العشرين أن الأمر لم يكن كذلك. ونتيجة لذلك، يعد التضخم المصحوب بالركود مثالًا رائعًا على الكيفية التي يمكن بها للبيانات الاقتصادية الواقعية أن تتغلب أحيانًا على النظريات الاقتصادية والوصفات السياسية المقبولة على نطاق واسع.
منذ ذلك الوقت، كقاعدة عامة, استمر التضخم كشرط عام حتى خلال فترات النمو الاقتصادي البطيء أو السلبي. في الخمسين عامًا الماضية، شهد كل ركود معلن في الولايات المتحدة ارتفاعًا مستمرًا على أساس سنوي في مستوى أسعار المستهلك.
الاستثناء الوحيد والجزئي لهذا هو أدنى نقطة في الأزمة المالية لعام 2008 – وحتى في ذلك الوقت كان انخفاض الأسعار محصورًا في أسعار الطاقة بينما استمرت أسعار المستهلكين الإجمالية بخلاف الطاقة في الارتفاع.