يُشكل التضخم الاقتصادي (Economic Inflation) حالة أو ظاهرة من اشكال الضعف الاقتصادي في اقتصاديات الدول، أو تغير في مستوى الأسعار العام بفعل العرض أو الطلب وحتى زيادة التكاليف، إذ أنه يحمل في متغيراته الكثير من العوامل التي تنعكس على الفرد والدولة؛ لذلك من المهم فهم التقلبات التدريجية الحاصلة قبيل هذه الظاهرة واثناءها وصولاً لمعالجتها ووضع حد لازديادها من قبل الحكومة ومؤسسات الدولة وذلك من خلال إجراءات متبعة نتعرف عليها.
ما هو مفهوم التضخم الاقتصادي؟
يشير التضخم إلى ارتفاع أسعار أغلب السلع والخدمات التي يستخدمها الأفراد بصورة يومية، مثل: الأغذية والملابس والأدوية والمسكن … إلخ، إذ يعكس المؤشر الزيادة في تكلفة السلع والخدمات خلال فترة معينة من خلال قياس التغير بين الفترات سواء شهرية أو سنوية.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم الحكومة في الدولة باستخدام سلة منتجات وخدمات تختلف عن غيرها، ما يعني أن السلع التي يقيس عليها البنك المركزي ذلك التغير من المرجح أن تختلف عن تلك التي تستعملها الحكومة.
علاوة على ما سبق، يعد معدل التضخم مؤشرًا لانخفاض قوة العملة الشرائية، حيث يتم حساب قيمته بالنسبة المئوية، وهو ما يعكس معدل “زيادة” الأسعار، وعندما تكون النسبة سالبة فذلك يعني انخفاض الأسعار وهو ما يطلق عليه “انكماش” أي عكس المؤشر.
أنواع التضخم الاقتصادي
توجد ٤ أنواع رئيسية للتضخم، حيث صنفت حسب سرعة الزيادة في الأسعار، والتي يمكن تصنيفها كالتالي:
أولاً: التضخم الزاحف
ويُعرف بالتضخم المعتدل، وهو ما يحدث عند ارتفاع الأسعار سنويًا بنسبة 3% أو أقل، وبحسب الاحتياطي الفيدرالي، فإن الأسعار عندما تزيد بنسبة 2% أو أقل؛ فإن ذلك يحقق نموًا اقتصاديًا؛ الأمر الذ يدفع المستهلكين لزيادة استهلاكهم من السلع في محاولة للتصدي لارتفاع الأسعار مستقبلاً.
ثانياً: التضخم المتسارع
يعد تضخماً قوياً، وهو ما يحدث عند نمو الأسعار بنسبة تتراوح من 3% -10% سنويًا؛ ما يؤدي إلى سرعة كبيرة في النمو الاقتصادي، مع الإشارة إلى أن المستهلكين يبدؤون في شراء أكثر السلع احتياجاً؛ تجنبًا لارتفاع الأسعار، وذلك ما يفسر زيادة الطلب لمستويات لا يمكن للموردين مجاراتها؛ الأمر الذي يرفع الأسعار عن قدرة الأفراد على الشراء.
ثالثاً: التضخم الجامح
يتمثل هذا النوع من التضخم في زيادة الأسعار بنسبة 10% أو يزيد مما يسبب فوضى اقتصادية، كذلك يفقد المال من قيمته سريعًا، كما يتجنب المستثمرين الأجانب الاستثمار في البلدان التي يضربها هذا النوع من التضخم؛ الأمر الذي يتسبب في انخفاض تدفقات رأس المال، بالإضافة إلى ذلك يعاني الاقتصاد الكلي للدولة من عدم استقرار.
رابعاً: التضخم المفرط
يشكل هذا النوع من التضخم ارتفاعاً في الأسعار بنسبة تزيد عن 50% شهريًا، وهو ما يندر حدوثه مع الإشارة إلى أنه لم يحدث من قبل إلا عند قيام الحكومات بطباعة النقود لدفع تكاليف الحروب.
وقد شهدت ألمانيا في بدايات القرن الماضي ظاهرة التضخم المفرط، وكذلك زيمبابوي خلال أول القرن الجاري، وأيضًا بمنتصف القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة بسبب الحرب الأهلية.
خامساً: الركود التضخمي
ويظهر ذلك النوع في حالة ركود النمو الاقتصادي مع ارتفاع الأسعار في آنٍ واحد.
سادساً: التضخم الأساسي
يعمل على قياس ارتفاع أسعار كافة الخدمات والسلع باستثناء الغذاء والطاقة، ويرجع السبب في ذلك إلى أن أسعارها متقلبة بشكل كبير، وذلك لأسباب موسمية متعددة.
سابعاً: انكماش الأسعار
يكون عكس التضخم، حيث يحدث عند انخفاض الأسعار بصورة مستمرة.
ثامناً: تضخم الأجور
يشير إلى زيادة أجور العمال بسرعة أكبر من ارتفاع نفقات المعيشة.
وهذا النوع يحدث في حالة من ثلاثة، وهي:
- نقص العمالة، وبالتالي تقل البطالة عن 4%.
- عند تفاوض نقابات العمال على زيادة الأجور لأعلى من السابق.
تاسعا: تضخم الأصول
يحدث في قطاع واحد من الأصول مثل: الإسكان والنفط والذهب.
عاشراً: تضخم سعر البنزين
ترتفع أسعار البنزين غالبًا في الربيع، وذلك قبل موسم القيادة بالولايات المتحدة في عطلة الصيف، وقد تسببت حالة الشك السياسي في البلاد التي تصدر النفط إلى زيادة أسعار البنزين في بعض الأعوام.
الحادي عشر: تضخم أسعار النفط
في الغالب يحدث عندما يرفع التجار أسعار النفط في حالتين، وهي:
- تهديدات تؤثر على حجم العرض.
- زيادة في حجم الطلب عليه.
الثاني عشر: تضخم أسعار الأغذية
عند ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة 6.8%.
الثالث عشر: تضخم أسعار الذهب
غالباً ما تقتني الدول الذهب للاحتياط ضد التضخم أو الانكماش.
أسباب التضخم الاقتصادي
تتعدد أسباب التضخم الاقتصادي، ومنها ما يلي:
المعروض النقدي: يرجع التضخم أساسًا إلى ارتفاع المعروض النقدي عن مستوى النمو الاقتصادي؛ ويؤدي ذلك إلى نقص في قيمة العملة، وخاصةً مع طباعة الدولة لأوراق النقد، الأمر الذي يعني ازدياد المال في المقابل نفس المعروض من السلع، مع العلم أن ذلك يسبب زيادة في حجم الطلب عليها، ومن ثم زيادة الأسعار.
الدين الوطني: يتسبب الدين الوطني في حدوث التضخم، والسبب في ذلك يعود إلى اضطرار الحكومات لزيادة الضرائب؛ بغرض سداد الديون، أو الاضطرار إلى طباعة المزيد من أوراق النقد، وعند زيادة الضرائب تقوم الشركات برفع أسعار منتجاتها، ما ينتج عنه حدوث التضخم، أما عند طباعة الأموال فإن المعروض النقدي يزداد، الأمر الذي يزيد من المشكلة.
التضخم المتسبب عن زيادة الأجور: ارتفاع أجور العمال ينتج عنه زيادة في القدرة الشرائية وإنفاق المزيد من المال في شراء السلع، الأمر الذي يسبب زيادة الطلب، وفي هذه الحالة ترتفع أسعار السلع بغرض تحقيق الموازنة بين العرض والطلب، بالإضافة إلى ذلك هناك عوامل أخرى تؤدي إلى زيادة الطلب، ومنها انخفاض ضرائب الدخل وسياسات التحفيز النقدي التي تشجع الأفراد على الاقتراض، وهذا بدوره يزيد من أسعار المساكن.
التضخم المترتب على التكاليف: يحدث عند مواجهة الشركات لارتفاع أسعار الخامات المستخدمة في التصنيع، مما يؤدي إلى زيادة أسعار السلع للمستهلك.
سعر الصرف: يؤثر سعر الصرف في التضخم بصورة كبيرة، فكلما نقصت قيمة العملة المحلية مقابل قيمة العملات الأجنبية، كلما ارتفعت أسعار السلع المستوردة.
التضخم الناجم عن السعي للربحية: ينتج هذا التضخم بسبب رفع الشركات لأسعار منتجاتها بغرض زيادة الربح.
انخفاض الإنتاجية: الأمر مرتبط بنقص إنتاج الشركات للسلع، ما يسبب نقص بالمعروض، وبالتالي ارتفاع الأسعار.
زيادة الضرائب: ترتفع عند فرض الحكومة المزيد من الضرائب؛ الأمر الذي يسبب ارتفاع في الأسعار.
علاقة التضخم بمكونات الاقتصاد الكلي
يعتبر التضخم الاقتصادي من أهم الظواهر الاقتصادية التي يهتم بدراستها الاقتصاديون، ويرجع السبب في ذلك إلى تأثير هذه الظاهرة الكبير على اقتصاديات الدول، والعالم بصورة عامة.
حيث يؤثر التضخم على كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، مثل: الناتج القومي والمحلي، وكذلك معدل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الميزان التجاري، وموازنة الدولة، وكذلك سوق الأوراق المالية، وغيرها.
ويرتكز التضخم على مجموعة من الخصائص المطلوب توافرها:
- تشمل الزيادة في الأسعار كافة السلع والخدمات.
- استمرارية زيادة الأسعار.
يرى بعض علماء الاقتصاد أن التضخم يمثل حافزاً للتنمية الاقتصادية؛ حيث يؤدي إلى خفض الاستهلاك، ويترتب عليه زيادة في الادخار، يتبع ذلك توجيهه نحو الاستثمار لاحقاً، بالإضافة إلى أن زيادة الأسعار تعمل على تشجيع المنتجين لزيادة الإنتاج؛ ما يدفع عجلة النمو الاقتصادي للأمام.
وعلى النقيض، يرى البعض أن التضخم يمثل عائقًا أمام النمو الاقتصادي؛ حيث يؤدي ارتفاع الأسعار إلى تدهور قيمة النقد، ما يترتب عليه فناء القيمة الادخارية وبالتالي انعدام الثقة بالعملة المحلية، وكذلك هرب المستثمرين، ما ينجم عنه مشاكل اقتصادية كبيرة.
ما هو تأثير التضخم على سعر العملة؟
تمثل أسعار الصرف عملية التحويل بين العملات، وهو ما يعتمد على العلاقة الخاصة بالعرض والطلب بين عملتين، ويُعرف سعر الصرف الأجنبي على أنه سعر وحدة عملة بالنسبة لوحدة عملة دولة أخرى مقابلة، وينقسم سعر الصرف إلى ثابت وتحدده الدولة، وآخر حر وهو ما يتحدد بناءً على العرض والطلب للعملة.
وحول تأثير التضخم على أسعار الصرف، فإن ارتفاع معدلات التضخم الخاص بالاقتصاد الوطني، يؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية الشرائية، وهو أن تكون القيمة الشرائية لهذه العملة أصغر من مثيلتها الخاصة بعملات دول أخرى، وبناءً على ذلك زيادة عدد الوحدات من العملة الوطنية التي تستبدل بوحدة واحدة فقط من عملة أجنبية أخرى.
يوجد عوامل أخرى تؤثر على سعر الصرف، ومنها الآتي:
- ارتفاع معدلات صرف العملات الأجنبية بسبب قوة دولتها الاقتصادية.
- انخفاض أسعار الصادرات؛ وبالتالي انخفاض حجم التدفقات.
- الحروب أو الكوارث الطبيعية.
- خدمة الديون الخارجية.
- أسعار الفائدة، حيث أنها ذات تأثير كبير ومباشر على أسعار الصرف، فكلما قلت أسعار الفائدة كلما ارتفعت الاستثمارات والطلب على رؤوس الأموال، وعلى عكس ذلك ارتفاع سعر الفائدة يسبب تجنب اقتراض المستثمرين؛ وبالتالي انحسار الاستثمار، وهو ما يؤدى إلى تأخر النمو الاقتصادي.
كيف يؤثر التضخم على أسعار السلع؟
التضخم في علم الاقتصاد يعني وجود أسعار متصاعدة للسلع والخدمات؛ وبالتالي فإنه يشير إلى ارتفاع مستمر في مستوى الأسعار، وبعبارة أخرى هو الهبوط المستمر في قيمة العملة، إلى ذلك يتم التعبير عنه إحصائيًا على أنه معدل ارتفاع الأسعار خلال مدة زمنية محددة، مثل عام أو شهر.
جدير بالذكر، أن الأسعار لا تسير بالاتجاه نفسه أو حتى بنفس النسبة؛ وهذا يعني أن الأسعار النسبية تتغير، وبناءً على ذلك يتأثر توزيع الإنفاق على السلع، ما يؤدي لتغير الإنفاق العام، مع التنويه إلى أن الزيادة المؤقتة في سعر بعض السلع لا تعتبر تضخمًا، كما أن زيادة سعر سلعة مع عدم ارتفاع مستوى الأسعار عمومًا لا يعد كذلك.
ويعمل التضخم على التغير النسبي في الأسعار، ورفع الأجور، وبالرغم من ذلك، فإن الملاحظ عالميًا أن زيادة الأجور تتراجع في أحيان كثيرة عند ارتفاع الأسعار؛ وهو ما يؤدي إلى هبوط الأجور الحقيقية؛ وبالتالي انخفاض مستوى المعيشة.
كما يربح أصحاب العقارات بسبب التضخم الاقتصادي، وأيضًا أصحاب الأسهم، بينما يخسر عادةً حملة سندات التمويل؛ وذلك بسبب أن الفوائد التي يحصلون عليها عادةً ما تكون ثابتة، وفي المقابل يستفيد المقترضين من التضخم، نظرًا للانخفاض المستقبلي في قيمة النقود.
وباختصار، فإن التضخم يؤدي إلى إعادة توزيع الدخل، بسبب تأثيره على قيمة الثروات الحقيقية، وكذلك تدني الدخول الحقيقية بسبب هبوط القوة الشرائية للنقود.
الإجراءات الحكومية للحد من التضخم
يمكن التقليل من حجم التضخم الاقتصادي عن طريق تطبيق بعض السياسات النقدية والمالية الحكومية، وهي كالآتي:
أولاً: السياسة الاقتصادية
ويمكن تلخيصها في مجموعة النقاط التالية:
- تحديد مصادر الإيرادات في الدولة وكذلك فائض الموازنة عن طريق السياسات التي تضعها وزارة المالية، وبالتالي تقليل السيولة المتاحة لخفض معدل التضخم.
- بيع الدين العام إلى الجمهور؛ مما يؤدي إلى سحب النقد المتاح في السوق، وذلك للحد من النقد المعروض.
- زيادة الضرائب على الكماليات من السلع.
- تخفيض الإنفاق الحكومي.
ثانياً: السياسة النقدية
تتولى البنوك المركزية في مختلف البلدان وضع السياسات النقدية وتنفيذها، وذلك بالاستناد على بعض الأدوات الكمية والنوعية:
- الأدوات الكمية: وتتمثل فيما يلي:
- زيادة تكلفة إعادة الخصم في البنوك التجارية.
- رفع دخول المصارف المركزية للأسواق لبيع الأوراق المالية؛ وذلك بغرض سحب بعض السيولة المتداولة بالسوق (السوق المفتوحة).
- زيادة نسبة الاحتياطي القانوني الذي تحتفظ به البنوك التجارية، عن طريق ادخار جزء من الودائع في البنوك المركزية، وبالتالي كلما زادت هذه النسبة كلما انخفضت قدرة البنوك الائتمانية.
- الأدوات النوعية: ويمكن تلخيصها في أسلوب إقناع مديري البنوك التجارية للائتمان المصرفي بسياسة الدولة في خفض المتداول من السيولة في الأسواق، وتعد تلك السياسة فعالة بالنسبة للدول النامية.
- معدلات الفائدة: وعادةً ما تقترن بمصادر التمويل عن طريق الاقتراض، حيث يتم تخصيص رأس المال من خلال أسعار الفائدة، والتي تتفاوت حسب الآجال.
يضاف إلى ذلك اتاحة فرص استثمار تحث المستثمرين على اغتنام تلك الفرص، حيث تعتبر توقعاتهم ذات أثر واضح على رفع قيمة رؤوس المال، وبالتالي فإن التوقعات تتجه إلى تحسن الحالة الاقتصادية؛ وهذا بدوره يعمل على زيادة أسعار الفائدة.
وتتأثر أسعار الفائدة بالكثير من العوامل، وأبرز تلك العوامل ما يلي:
- معدل التضخم
يؤثر على التكاليف الصناعية للإنتاج؛ مما يسبب زيادة الطلب على رأس المال من أجل تغطية التكلفة.
على فرض أن تقديرات أحد الشركات أشارت إلى وصول تكلفة خط الإنتاج المقترح في خطتها السنوية القادمة إلى عشر ملايين، وعند التنفيذ الإنتاجي تبين أن المبلغ المقدر لا يكفي تكاليف إقامة الخط الإنتاجي، وأنها بحاجة لزيادة قيمتها خمسة ملايين، هذه الزيادة قد نتجت عن ارتفاع معدل التضخم، مع انخفاض قيمة العملة؛ مما تسبب في زيادة الطلب على المال؛ وبالتالي تلك الزيادة تسبب زيادة في أسعار الفائدة على الاقتراض.
وهنا تتأثر القرارات المالية للشركة، ولن يقتصر التأثير فقط على أسعار الفائدة، بل إنه سيؤثر أيضًا على التضخم في سعر الصرف أمام العملات الأخرى؛ وسيترتب على ذلك زيادة أسعار الفائدة، وكذلك ارتفاع معدلات التضخم.
- العرض والطلب
يرتفع الطلب على القروض التمويلية كلما كان اقتصاد الدولة في حالة ازدهار؛ من أجل توفير فرص استثمارية كثيرة للمستثمرين، وعلى الرغم من تباين مستويات العائد والمخاطرة المحتملين لأي فرص استثمارية، إلا أنه يتم اختيارها، ويرافق تلك الزيادة في طلب رأس المال ارتفاع في أسعار الفائدة، بينما تؤدي زيادة الأموال المعروضة إلى هبوط أسعار الفائدة.