تحتم الإجابة على تساؤل كيف يؤثر العرض والطلب على الأسواق العالمية التطرق إلى فهم العديد من العوامل التي تلقي بظلالها على القوى الأساسية المحركة للأسواق العالمية، ففي ضوء التزاحم المتزايد للأحداث الاقتصادية بحكم التغير المستمر في النظام العالمي خاصة في العقود القليلة الماضية, تستند احتمالية النجاح على مستوى الزيادة في الرصيد المعرفي للمتداول في الأسواق المالية وامكانيته على حصر العوامل المؤثرة في السوق، سواء كانت متعلقة بالسوق نفسه أم بمزاجيته، فأياً كانت المؤثرات في السوق فهي تعتبر انعكاس ثانوي لصراع قوى الطلب والعرض مهما كانت قوتها، إذ أن المحرك الأساسي للأسواق هي قوى الطلب والعرض، خاصةً وأن التفوق الوقتي لأي قوة منهم يؤدي بشكل حتمي إلى تغير اتجاه حركة الأسعار.
يجدر بالذكر أن قانون العرض والطلب يؤثر بشكل كبير على النشاط التجاري منذ بدايات التجارة في الحضارة البشرية. قديماً، كانت التوابل تُعتبر سلعاً باهظة الثمن، وكان الكثير من الناس غير قادرين على شرائها، مما جعلها مقتصرة على الطبقة العليا في المجتمعات الناشئة، نتيجة محدودية العرض في ظل الطلب المرتفع. فقد كانت التوابل تُستخدم كوسيلة للتجارة والنقود في بعض الأحيان، ولذا كانت تُعتبر رمزاً للثروة والسلطة.
مع تقدم النشاط الصناعي وتطور أساليب الإنتاج، زادت القدرة على تلبية الطلب المتزايد. أدى هذا الارتفاع في مستوى العرض إلى انخفاض أسعار التوابل، مما جعلها متاحة للجميع. اليوم، لا تعتبر التوابل مجرد عناصر تزيين للطعام، بل أصبحت جزءاً أساسياً من المطبخ العالمي، وتستخدم في مختلف الثقافات والوجبات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن العولمة والابتكارات في سلسلة التوريد قد ساهمت في تحسين الوصول إلى هذه السلع. فعلى سبيل المثال، أصبحت التوابل تُستورد وتُوزع بكفاءة أكبر، مما ساعد في خفض التكاليف وتحقيق التنوع في الخيارات المتاحة للمستهلكين.
كما أن ظهور الإنترنت ساهم في تغيير كيفية وصول المستهلكين إلى هذه السلع، حيث يمكن الآن شراء التوابل من المتاجر الإلكترونية بسهولة، مما يعكس التغيرات الكبيرة التي حدثت في سوق السلع الغذائية. وبالتالي، يمكن القول إن العرض والطلب لا يؤثران فقط على الأسعار، بل يعكسان أيضاً التغيرات في الثقافة والنمط الاستهلاكي لدى المجتمعات المختلفة.
ما المقصود بالعرض والطلب؟
يشير مفهوم العرض Supply إلى كمية السلع أو الخدمات التي يقدمها المزودون للبيع لتلبية احتياجات المستهلكين الأساسية أو الكمالية مقابل سعر محدد. ويتأثر العرض بشكل كبير بتوفر المواد الخام اللازمة للمصنعين، والذي يشمل جميع العمليات مثل الاستخراج والنقل والتخزين.
أما الطلب Demand فهو يتعلق بمدى حاجة السوق لتلك السلع أو الخدمات، حيث يسعى المستهلكون، سواء كانوا نهائيين أو تجاريين، للحصول عليها مقابل أسعار محددة. هنا تكمن أهمية الطلب، إذ يعتمد العرض في بعض الأحيان على الأبحاث السوقية التي تحدد مستوى الطلب، مما يحقق حالة توازن تُساعد في تحديد كميات معينة من السلع أو الخدمات لتلبية احتياجات السوق، وبالتالي يؤثر ذلك على الأسعار.
تظهر العلاقة بين العرض والطلب بشكل نظري من خلال قانون الطلب والعرض، حيث يؤثر التغير في الأسعار على القدرة الشرائية. فعندما ترتفع الأسعار، تنخفض القدرة الشرائية، مما يؤدي إلى تقليل الطلب. وعلى العكس، عندما تنخفض الأسعار، يزداد الطلب مما يدفع الأسعار للارتفاع. لذا، تعتبر الأسواق في حالة بحث مستمر عن توازن بين العرض والأسعار واحتياجات المستهلكين.
العوامل المؤثرة على الطلب والعرض
أولاً: التغير الموسمي
يزداد الطلب موسمياً على بعض السلع مثل الملابس الشتوية أو بعض انواع السلع الكمالية، كذلك الاقبال على شراء الهدايا الفردية في فترات الأعياد في ظل وجود فجوة بين الطلب والعرض، فالإقبال الموسمي على هذه السلع لا يمكن الايفاء به إذ
أن المصنعين لا يمكن أن يقوموا بتزويد السوق بكميات قد تسبب فائضاً أو تتكدس نتيجة تأثر الطلب بأحداث غير متوقعة، لذلك يتم التصنيع على قدر الحاجة.
ثانياً: قانون الطلب والعرض
مثلما ذكرنا سابقاً أن السوق في حالة بحث دائم عن حالة التوازن، فعند ارتفاع سعر منتج ما فإن القدرة الشرائية ستنخفض وقد تستغرق دورة الشراء وقتاً اطول مما يؤدي إلى انخفاض الطلب مقابل العرض ونتيجة لذلك تنخفض الأسعار مرة أخرى، والعكس في حالة انخفاض الأسعار، السوق في حالة بحث عن القيمة العادلة مقابل الفائدة المتوقعة بشكل دائم.
ثالثا: الأزمات الاقتصادية
يفقد العديد وظائفهم في ظل الأزمات الاقتصادية، فمن المعروف أن الاقتصاد العالمي يتأثر بشكل دوري بأزمة اقتصادية تمس مستوى استقراره كل 5-15 سنة، فيتأثر الدخل الفردي وقد يلجأ بعض الأفراد إلى الإنفاق من مدخراتهم مما يقلص مستوى المصروفات على الحاجات الأساسية والثانوية فينخفض الطلب مقابل العرض.
رابعاً: مدى توفر البدائل
ما يحفز دورة قرار الشراء هي رغبة المستهلك بشكل دائم بسداد احتياجه نحو سلعة أو خدمة ما والانتفاع منها مقابل سعر مقبول، فإن توفر بديل آخر أقل سعراً مع ثبات مستوى المنفعة، أو ارتفاع مستوى المنفعة مع ثبات السعر، سواء كان هذا البديل محلياً أو مستورداً فإن المستهلك سيرغب بالحصول على هذه المزايا الإضافية مما يخلق حالة من التنافس بين المزودين الأمر الذي يجبرهم على اتخاذ قرارات تجارية تؤدي لتغير مستوى العرض.
خامساً: الاتجاه العام
هذا العامل يلتصق بشكل ملحوظ مع السلع أو الخدمات من المستوى الثانوي والكمالي، فبعض السلع أو الخدمات يزداد الطلب عليها بسبب توجه الآخرين لطلبها، فيستمر الازدياد في الطلب، مثل بعض صيحات الموضة لبعض الماركات الفاخرة التي قد يرغب المستهلك بشرائها لأن اقبال أصدقاءه عليها ازداد، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك بعض العلامات التجارية التكنولوجية مثل منتجات شركة آبل التي يوفر امتلاكها شعور بالإنتماء لمجتمع من مستهلكي هذه العلامة التجارية.
سادساً: الأنشطة الترويجية
تعتمد النشاطات الترويجية لأي منتج أو سلعة على اظهار حاجة المستهلك لها حتى وإن كان في حالة لاوعي بمدى حاجته لها، فبعض العمليات الترويجية الناجحة قد تؤدي لازدياد مستوى الطلب مقابل العرض على سلع أو خدمات معينة.
هل تحليل مستوى الطلب والعرض أمر مهم؟
تتيح إمكانية تحليل مستويات العرض والطلب فهماً عميقاً لمزاجية السوق، مما يسهم في إدارة فعّالة لتوفير الكميات المناسبة من السلع والخدمات، دون حدوث فجوة بين الطلب والعرض. عندما يكون العرض أعلى من الطلب، يمكن أن يحدث تكدس للسلع، مما قد يؤدي إلى ركود في السوق، ويدخل السوق في حلقة مفرغة من الركود الطويل الأمد. وعلى العكس، إذا كان الطلب يفوق العرض، فقد يؤدي ذلك إلى خلق حالة من الاحتكار، حيث يسعى المزودون لتحقيق مزيد من الأرباح.
من جهة أخرى، تعتمد قدرة المزودين على التنبؤ بمستوى الطلب على فهم ديناميكيات السوق وحصصهم السوقية. في حال غياب المعرفة الدقيقة بمستويات الطلب، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تزويد السوق بكميات غير ملائمة. فإذا كانت الكمية المقدمة أقل من حاجة السوق، ستظهر فجوة تؤثر سلباً على تلبية احتياجات المستهلكين، مما يؤدي إلى فقدان العملاء والفرص. أما إذا كانت الكمية أكبر من الحاجة، فإن ذلك سيسبب تراكم السلع، مما قد يتسبب في اضطرابات اقتصادية ويؤثر سلباً على الأسعار.
وبالتالي، فإن تحسين القدرة على تحليل الطلب والعرض يسهم في اتخاذ قرارات استراتيجية أكثر فعالية، مما يقلل من المخاطر المرتبطة بالتخزين الزائد أو النقص في السلع. على الشركات أن تستثمر في أدوات التحليل والتنبؤ لفهم تغيرات السوق بشكل أفضل، مما يساهم في تحقيق التوازن ويعزز استدامة العمليات التجارية.
كيف يؤثر العرض والطلب على أسواق النفط؟
بعض الحقائق الواردة سابقاً قد تبدو مستعصية على الفهم، لذلك فإن أفضل وسيلة لتوضيح هذه الحقائق هي بتطبيقها على أحد السلع الأساسية الاكثر انتشاراً مما يوضح طبيعة تأثير Supply and demand عليها، ولعل أبرز السلع في السوق التي تتأثر بمستوى الطلب والعرض هي النفط الخام، ففي حالة النمو الاقتصادي وازدياد معدل النمو السكاني وكذلك مستويات الدخل القومي والفردي فإن هذه العوامل تنعكس على مستويات الطلب على النفط بشكل ايجابي، كذلك يرتفع الطلب على بعض مشتقات النفط في فصل الشتاء موسمياً، أما في حالة حدوث اضطراب جيوسياسي في منطقة استخراج, فإن العرض يقل مقابل ثبات الطلب وذلك يؤدي لارتفاع الأسعار، وتؤثر الأخبار الاقتصادية عن اكتشافات جديدة بارتفاع مستوى الراحة في مزاجية السوق حتى وإن لم يتم استخراج هذه الكميات ودخولها تحت بند العرض.