غموض تقرير الناتج المحلي الإجمالي الذي تم الإعلان عنه يوم الأربعاء سبب حالة من عدم الوضوح لدى المستثمرين فيما يتعلق بصحة الاقتصاد الأمريكي، وذلك بسبب تداعيات الرسوم الجمركية الواسعة التي فرضها الرئيس ترامب، ما تسبب في غموض مؤشرات النمو.
وقد عكست بيانات الربع الأول، التي تم الإعلان عنها، حدوث انكماش اقتصادي في الولايات المتحدة للمرة الأولى منذ عام 2022 – ما أثار القلق والضغوط الفورية على الأسهم الأمريكية.

تعرف على: هبوط العقود الآجلة للأسهم الأمريكية مع الإعلان البيانات الاقتصادية ونتائج أرباح الشركات الكبرى
كان بعض الاقتصاديين قد استعدوا لانكماش أعمق، وشجعتهم البيانات التي ظهرت. وقد نتج ضعف الاقتصاد عن ارتفاع كبير في معدلات الواردات، إذ سعت الشركات إلى تجنّب تكاليف الرسوم المرتفعة التي بدأ تطبيقها منذ بداية شهر أبريل. وقد أشار المحللون إلى أن هذه الظاهرة قد تنعكس خلال الأشهر المقبلة.
وبقي المستثمرون في حالة من الغموض لم تختلف كثيرًا عن الوضع الذي كانوا عليه قبل صدور التقرير، حيث يشعرون بأنهم لا يزالون عرضة للتقلبات الناتجة عن الحرب التجارية التي يشنها ترامب على شركاء الولايات المتحدة، والتي لم تُحل بعد، مما زاد من توتر الأسواق مع بقاء احتمالات حدوث ركود اقتصادي قائمة.
وقال ماثيو ميسكن، كبير استراتيجيي الاستثمار في شركة “جون هانكوك لإدارة الاستثمارات”: “هناك تشوّه كبير وتقلب حاد في البيانات الاقتصادية حاليًا بسبب تداعيات الرسوم الجمركية”. وأضاف أن تقرير الناتج المحلي الإجمالي “لا يساعد في تبديد مخاوف الانكماش الاقتصادي التي تسيطر على الأسواق”.
بيانات الناتج المحلي الإجمالي
انخفض الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بمعدل سنوي قدره 0.3% خلال الربع الماضي. كما ارتفعت الواردات بمعدل 41.3%، ما تسبب في حدوث فجوة تجارية كبيرة اقتطعت 4.83 نقطة مئوية – وهو رقم قياسي – من الناتج المحلي الإجمالي.
قال مارك هاكيت، كبير استراتيجيي السوق في شركة “نايشن وايد”: “هذا الوضع محبط أكثر بالنسبة للمستثمرين على المدى الطويل، لأنك لا تحصل على قراءة واضحة لما يحدث فعليًا في الاقتصاد”. وأضاف: “نحن بحاجة لمعرفة ما يجري في الاقتصاد… وتقارير كهذه لا تقدم لنا الكثير من البيانات المفيدة”.
شاهد: تذبذب الأسهم العالمية وتراجع أسعار النفط مع زيادة المخاوف بشأن النمو العالمي
ومن جهة أخرى، أعرب لاري ويرثر، كبير الاقتصاديين في شركة “دايوا كابيتال ماركتس أمريكا”، عن شعوره بالتفاؤل بسبب نمو إنفاق المستهلكين – الذي يمثل أكثر من ثلثي الاقتصاد – بمعدل 1.8%، مما يعكس أن “الاقتصاد المحلي لا يزال على المسار الصحيح” خلال الربع الأول.
وقال ويرثر إنه لا يفترض الركود كاحتمال أساسي، “لكن احتمال حدوثه خلال الأشهر الـ12 المقبلة قد ارتفع بشكل كبير” منذ بداية العام.
وأضاف أن استمرار حالة عدم اليقين يمثل بحد ذاته خطرًا على الأسواق، وأن توقعات ارتفاع التضخم نتيجة الرسوم الجمركية تعقّد مهمة الاحتياطي الفيدرالي، الذي قد لا يتمكن من تخفيف السياسة النقدية لدعم الاقتصاد إذا استمرت ضغوط التضخم.
وقال بيتر أندرسن، مؤسس شركة “أندرسن كابيتال مانجمنت” في بوسطن: “هذه الفترة التي تُجرى فيها مفاوضات بشأن الرسوم الجمركية وتحاول الأسواق استيعابها تجعل من الصعب للغاية وضع نماذج أو إجراء تنبؤات دقيقة”.
قد يهمك: في مواجهة الضغوط الأمريكية..الصين تتعهد بتعويض المتضررين من الرسوم
هبوط الأسهم بعد تقرير الناتج المحلي الإجمالي
شهدت العقود الآجلة للأسهم الأمريكية هبوطًا حادًا بعد صدور التقرير، لكن المؤشرات الرئيسية تعافت لاحقًا خلال الجلسة.
أغلق مؤشر S&P 500 (.SPX) الجلسة على ارتفاع طفيف. ومع ذلك، لا يزال المؤشر منخفضًا بنسبة 9.4% عن أعلى مستوى سجله في فبراير.
سوق السندات وتأثير العوائد
تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين بنحو أربع نقاط أساس يوم الأربعاء، وهي مؤشرات تميل إلى الانخفاض مع توقعات تخفيض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في حال تباطؤ الاقتصاد. أما العوائد لأجل أطول فبقيت ثابتة أو سجلت ارتفاعًا طفيفًا.
سجلت آخر قراءة لعوائد السندات القياسية لأجل 10 سنوات 4.169%، أي أقل بنحو نصف نقطة أساس عن اليوم السابق، بينما ارتفعت عوائد السندات لأجل 30 عامًا بنحو أربع نقاط أساس إلى 4.679%. تتحرك العوائد في اتجاه عكسي مع الأسعار.
وقال روبرت تيب، كبير استراتيجيي الاستثمار ورئيس قسم السندات العالمية في “بي جي آي إم للدخل الثابت”: “الأداء الضعيف للطرف الطويل من منحنى العوائد يعكس القلق من أن الاحتياطي الفيدرالي سيتعين عليه التركيز على النمو، رغم أن آفاق التضخم لا تزال أعلى من المستهدف”.
تأثير البيانات الاقتصادية
أثارت البيانات المعلنة يوم الأربعاء الكثير من الحيرة لدى المستثمرين. فمن جهة، قد يكون التأثير السلبي نتيجة مؤقتة للرسوم الجمركية، لكن من جهة أخرى، ومع استعداد الأسواق للأسوأ، قد تؤدي أي بيانات إيجابية مفاجئة في الأشهر المقبلة إلى موجة من التفاؤل في الأسواق.
وقال هاكيت من “نايشن وايد”: “الناس يتخذون مواقف حذرة… وعندما يحدث ذلك، لا يستغرق الأمر الكثير من الأخبار الجيدة لتحريك الأسواق بقوة في الاتجاه الإيجابي”.
في هذا السياق، يسعى المستثمرون إلى التكيف مع سيناريوهات متعددة. ويدفع غياب الوضوح حول الرسوم الجمركية سونو فارغيز، استراتيجي الاقتصاد الكلي العالمي في “كارسون جروب”، إلى تفضيل استراتيجية “الباربيل” في إدارة المحافظ، التي تجمع بين الأسهم الدفاعية منخفضة التقلب في طرف، والأسهم ذات الزخم العالي والنمو في الطرف الآخر.
وينتظر المستثمرون مؤشرات إضافية عن حالة الاقتصاد الأمريكي يوم الجمعة، مع صدور تقرير التوظيف الأمريكي.
وقال فارغيز: “كل شيء آخر مشوه بسبب الرسوم الجمركية… ولكن في الوقت الحالي، لا يزال الاستهلاك هو ما يدعم الاقتصاد”. وأضاف: “إذا بدأ سوق العمل في التراجع، فسنواجه مشكلة كبيرة في المستقبل”.
تمتع بتجربة تعلمية مميزة من خلال الأكاديمية الأقوى للفوركس و الأسواق العالمية MENA