أعرب خبراء اقتصاديون بارزون عن قلقهم بشأن تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد الكندي، حيث قالوا إن تأثيرها سوف يكون وجوديًا، وسوف يسبب حالة من الركود تتجاوز تأثير جائحة كورونا. يقدر خبراء الاقتصاد معدلات تراجع الناتج المحلي الكندي الإجمالي بمقدار 2 إلى 4 نقاط مئوية، بعد أن قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض تعريفات جمركية على معظم واردات كندا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 25%، وهناك خطة من رئيس الوزراء جاستن ترودو للرد على رسوم ترامب بفرض رسوم على الواردات الأمريكية بمبلغ 155 مليار دولار كندي (105 مليارات دولار أمريكي).

تعرف على:صدور بيانات مؤشر مديري المشتريات في كندا بنتائج سلبية
وكانت هناك توقعات بأن يحدث نمو في الاقتصاد الكندي خلال العام الحالي 2025 بمعدل 1.8%، أي أنه يحدث انكماش سنوي لأول مرة منذ 16 عامًا بغض النظر عن فترة جائحة كورونا، وهناك توقعات قوية بأن يحدث ارتفاع في أسعار المستهلكين بمعدلات أعلى من المعدل الذي يخطط له البنك المركزي الكندي والذي يبلغ 2%، وقد يستمر الدولار الكندي في الهبوط وتزداد معدلات البطالة.
بنك كندا يحذر: التعريفات الجمركية ستنهي الاقتصاد الكندي
أصدر البنك المركزي الكندي تقريرًا رسميًا يحذر فيه من تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية على الاقتصاد الكندي، حتى قبل فرضها، وقال إنها قد تتسبب في شلل الاقتصاد، وأن مجرد التهديد بالرسوم الجمركية يؤدي إلى حالة من عدم اليقين، وإضرار الاستثمارات التجارية في كندا، وهذا سيؤدي إلى عرقلة النمو الاقتصادي. كما قام أعضاء مجلس إدارة بنك كندا باستعراض تقارير توضح تضرر الدولار الكندي من الرسوم الجمركية، وأن هناك احتمالات كبيرة أن يتضرر بمعدلات أعلى نتيجة حالة عدم اليقين السائدة.
كما أوضح الخبراء الاقتصاديون في البنك المركزي الكندي أن الرسوم الجمركية سوف تدمر قطاع التصدير في كندا، وأن تأثير تلك الحرب التجارية بين الولايات المتحدة وكندا سوف يكون سلبيًا على البلدين، ولكن كندا سوف تكون الخاسر الأكبر، حيث إن أغلب الصادرات الكندية متجهة إلى الولايات المتحدة، وهذا سوف يؤثر على الناتج المحلي الإجمالي لكندا، حتى يتمكن الاقتصاد الكندي من التعافي من تلك الضربة.
وحذر بنك كندا أيضًا من الرسوم الجمركية الانتقامية التي قد تفرضها كندا وبعض الدول على الولايات المتحدة، حيث قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع صادم في أسعار الواردات، كما أن هذا الصراع التجاري العالمي سوف يؤدي إلى انخفاض معدلات النمو العالمية، وتجميد الاقتصاد الكندي.
تأثير فرض الرسوم الجمركية على القوة الشرائية
نظريًا، فرض رسوم جمركية قد يسبب ارتفاع سعر المنتجات، ما ينتج عنه تجنب المستهلكين لها، واتجاههم لشراء منتجات محلية بسعر أرخص، ويؤدي ذلك إلى دعم الاقتصاد المحلي، وهذا هو أحد أهداف ترامب.
ولكن بشكل عملي، فإن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على كندا تعتبر عبئًا ماديًا كبيرًا على القوة الشرائية في الولايات المتحدة، بسبب ارتفاع أسعار البضائع.
تابع معنا : الميزان التجاري الكندي – Canadian Trade Balance
وازدادت الأمور سوءًا بسبب تضمين واردات النفط من كندا ضمن السلع الخاضعة للرسوم الجمركية، ولكن بنسبة 10٪ فقط، ولأن الولايات المتحدة تستورد من كندا والمكسيك ما يعادل نصف مليون برميل من النفط، تسبب ذلك في زيادة المخاوف من ألا يستطيع الرئيس ترامب أن يفي بوعوده في تحسين مستوى معيشة الفرد الأمريكي، وتقليل التكاليف، حيث إن المخاوف مرتكزة على سلع الطاقة الواردة إلى الولايات المتحدة، وتأثيرها على المستهلك والشركات، وقد يتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل عام بدءًا من أسعار الوقود، حتى أسعار السلع الغذائية، وكان الرئيس ترامب قد أعلن من قبل أنه قد يعفي النفط من الرسوم الجمركية، لذلك لا تزال الأمور ليست نهائية فيما يتعلق بالنفط.
وقد أعلنت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير لها أن شركات الطاقة والسيارات تضغط بقوة على الإدارة الأمريكية للتراجع عن قرار الرسوم الجمركية، حيث إن نسبة النفط الخام الذي تستورده الولايات المتحدة الأمريكية من كندا عن طريق مصافي النفط تبلغ 40٪، ويعتقد ترامب أن تطبيق الرسوم الجمركية سوف يساعد على تقليل العجز التجاري غير العادل في البلاد، حيث إن العجز التجاري مع كندا قد وصل إلى أكثر من 40 مليار دولار، كما أنه وسيلة لدعم القدرة التصنيعية المحلية عن طريق التشجيع على شراء المنتجات الأمريكية، وزيادة الإيرادات الحكومية، ودعم الاقتصاد.
رسوم جمركية “على مراحل”
يتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يتم تطبيق الرسوم الجمركية على كندا والمكسيك على مراحل، حيث ما زالت لا توجد رسوم جمركية مستدامة بنسبة 25٪ بشكل أساسي على كندا والمكسيك، وهناك احتمالات قوية أن يقرر ترامب تأخير تطبيق الرسوم الجمركية، أو يتم تطبيقها على بعض الواردات، أو أن يتم تطبيق الرسوم بمعدل قليل ويرتفع تدريجيًا، وقد تكون بشكل مختلط من الخطط السابقة، ولكن بشكل عام فإن تطبيق الرسوم الجمركية قد يسبب إبطاء النمو الاقتصادي الأمريكي وزيادة التضخم.
وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، فإن الضرائب الجمركية سوف تؤثر أيضًا على قرارات الاحتياطي الفيدرالي الذي يحاول السيطرة على معدلات التضخم وتخفيضها إلى الهدف 2٪، حيث قرر البنك الاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماع يناير الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، في محاولة للسيطرة على التضخم، بعد مجموعة متتالية من التخفيضات في العام الماضي.
فترة حرجة في كندا
ويعتبر الوقت الحالي في كندا وقتًا حرجًا للغاية، خاصة بعد أن استقال رئيس الوزراء جاستن ترودو من منصبه، بالإضافة إلى إعادة إعلان الرئيس الأمريكي رغبته في ضم كندا، ووعد بتخفيض الضرائب عليها إذا عادت مرة أخرى كولاية أمريكية، وبالطبع هذه المسألة هزلية بالنسبة للكنديين، الذين يهدفون لأن يكونوا دولة كبيرة مستقلة، لكن شركات صناعة الخمور الكندية تأمل أن تساعد تلك الرسوم الجمركية على تخفيف الحواجز التجارية في كندا.
وقد يسبب عدم الاستقرار السياسي الكندي ضعف قدرة الاقتصاد على مواجهة تأثير الرسوم الجمركية، وكان رئيس وزراء مقاطعة كولومبيا البريطانية ديفيد إيبي قال: “إذا لم يلتزموا باتفاقياتنا التجارية، فلن نلتزم نحن أيضًا”.
وكان بعض المسؤولين الكنديين قد توعدوا في حالة تطبيق تلك الرسوم الجمركية، أن يقوموا بحظر التعامل مع الكحوليات الأمريكية، ونتج عن ذلك الدعوة إلى تقليل وتخفيف القيود التجارية بين مقاطعات كندا، ما زاد الشعور بالتفاؤل بأن يتم تخفيف القيود التجارية بين المقاطعات.
إقرأ المزيد: بنك كندا يخفض الفائدة 50 درجة أساس .. ما تأثير ذلك على الاقتصاد الكندي؟
تعليقات الخبراء الاقتصاديين الكنديين على تعريفات ترامب الجمركية
في بنك “تورونتو دومينيون بنك” (Toronto-Dominion Bank)، توقعت كبيرة الاقتصاديين بياتا كارانشي وكبير الاقتصاديين جيمس أورلاندو أن يحدث انخفاض حاد في الدولار الكندي ليصل إلى 65 سنتًا من الدولار الأمريكي، وهبوط أسواق أسهم أمريكا الشمالية. وهناك احتمالات كبيرة أن تحدث حالة من الركود لمدة ما بين خمسة إلى ستة أشهر في حالة تطبيق الرسوم الجمركية، وإذا زادت مدة الرسوم قد يؤدي ذلك إلى انكماش الاقتصاد الكندي، ووصول معدلات البطالة إلى 7%. وقالا: “من السابق لأوانه تقدير استجابة البنك المركزي”.
وفي “بنك أوف مونتريال” (Bank of Montreal)، أوضح كبير الخبراء الاقتصاديين دوغلاس بورتر أنه قد ينخفض الناتج الإجمالي الكندي بمعدل نقطتين مئويتين بسبب التعريفات الجمركية الأمريكية والرسوم المضادة الكندية، و”إذا استمرت التعريفات المعلنة لمدة عام، فإن الاقتصاد قد يواجه خطر ركود طفيف”. وقد تقرر كندا رفع أسعار الفائدة الأساسية بمعدل ربع نقطة في جميع اجتماعاتها حتى اجتماع شهر أكتوبر، ثم الإبقاء عليه دون تغيير عند 1.5%.
قال كبير الاقتصاديين في “كنديان إمبريال بنك أوف كوميرس” (Canadian Imperial Bank of Commerce) أفيري شينفيلد: “إن الحرب التجارية بشكل دائم ومتبادل قد تدفع اقتصاد كندا إلى الركود”.
كما أن الخلط بين التحفيز النقدي والمالي وضعف الدولار الكندي قد يكون داعمًا لتعافي الاقتصاد، والخسائر الناتجة عن التجارة سوف تتسبب في ضعف الناتج الحقيقي حتى بعد اكتمال التوظيف.
وأضاف: “من المرجح أن تستند توقعاتنا القادمة إلى سيناريو أقل ضررًا يتضمن إزالة التعريفات الجمركية من خلال المفاوضات، حيث توجد سابقة لذلك إبان فترة ولاية ترامب الأولى”.
قالت كبيرة الاقتصاديين في “رويال بنك أوف كندا” (Royal Bank of Canada) فرانسيس دونالد ومساعد كبير الاقتصاديين ناثان جانزن إن تقديراتهما تتشابه مع نتائج بنك كندا، الذي أوضح أن ارتفاع نسبة الرسوم الجمركية إلى 25% في الولايات المتحدة وعالميًا قد يؤدي إلى تقلص الناتج الإجمالي الكندي بمعدلات ما بين 3.4 و 4.2 نقطة مئوية. وقالا: “تضرب التعريفات الجمركية الاقتصاد الكندي في حين يواجه بالفعل صعوبات. لا تزال كندا تتعافى من صدمة ارتفاع أسعار الفائدة، وحتى بعد أن خفض بنك كندا تكاليف الاقتراض بمقدار 200 نقطة أساس، لا يزال معدل البطالة في ارتفاع”، كما أنه “لا يزال الاقتصاد يعمل بقدرة فائضة (زيادة العرض عن الطلب) وأقل من طاقته الكاملة”.
اقرأ معنا : معدل البطالة الكندي – Canadian Unemployment Rate
تعريفات ترامب الجمركية تهديد وجودي لكندا
في بنك “كابيتال إيكونوميكس” (Capital Economics)، قال خبير الاقتصاد المعني بمنطقة أمريكا الشمالية بول أشفورث إن فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% بمثابة “تهديد وجودي” لكندا، لأن الصادرات الكندية من السلع إلى الولايات المتحدة تمثل حوالي خُمس ناتجها المحلي الإجمالي.
ووفقًا لتوقعاته أيضًا، فإنه قد تحدث أضرار لمعدلات الاستهلاك والاستثمار والصادرات في كندا، بالإضافة إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة ما بين 2.5% إلى 3%، حتى مع انخفاض إضافي في قيمة الدولار الكندي.
ويعتقد أشفورث أن هناك فرصة إضافية لبنك كندا أن يخفض أسعار الفائدة بمعدل 50 نقطة أساس أخرى على الأقل، بدعم التحفيزات النقدية والمالية التي ستساعد على تقليل حدة الركود.
ويعتقد كبير استراتيجيي السوق كارل شاموتا أن الدولار الكندي والبيزو قد ينخفضان بمعدلات من 2% إلى 3%، حيث قال شاموتا بعد الإعلان عن التعريفات الجمركية: “عواقب حرب تجارية طويلة الأمد بين ما كانت، قبل بضع ساعات، واحدة من أنجح الشراكات الاقتصادية في العالم، مروعة للغاية بحيث يصعب تصورها، ولكن الأسواق ستضطر إلى البدء في التخطيط لمواجهتها”.
في حين قالت الخبيرة الاقتصادية تو نغوين إن الحرب التجارية بسبب التعريفات الجمركية بين الولايات المتحدة وكندا قد تسبب انكماش الاقتصاد الكندي بنسبة 2% خلال العام الحالي، مع ارتفاع التضخم العام إلى 2.7%. وقد يحدث هبوط في الوظائف في بعض القطاعات، من بينها قطاع التصنيع والسياحة والنقل، بسبب تقليص الطلب بعد ارتفاع الأسعار. وهناك احتمالات أن ترتفع أسعار الفواكه والخضروات خلال الفترة المقبلة، وقد ترتفع أسعار الأجهزة والسيارات بعد مدة أطول، وقد يقل توفر المنتجات الأمريكية في متاجر كندا.
قال فيليب ماغنيس، المؤرخ الاقتصادي وكبير الباحثين لدى مركز الأبحاث ومقره في أوكلاند بولاية كاليفورنيا: “سيتحمل المستهلكون في كلا البلدين تكلفة الرسوم المفروضة عبر الحدود”. ستجمع كندا الأموال من خلال التعريفات الجمركية المضادة، ولكن “عادةً ما يتم تحميلها على مستهلكي السلع، أو أن التعريفات الجمركية تؤدي إلى تغيير أنماط الاستهلاك بعيدًا عن الواردات وتحويلها إلى بدائل محلية مشابهة بأسعار أعلى. في كلتا الحالتين، ينتهي الأمر بالمستهلكين إلى دفع أسعار أعلى بسبب التعريفات الجمركية”.
تمتع بتجربة تعلمية مميزة من خلال الأكاديمية الأقوى للفوركس و الأسواق العالمية MENA