السيطرة الصينية على الموارد الاستراتيجية في أمريكا اللاتينية تقلق القوى الغربية التي دائمًا ما تكون حذرة من التواجد الصيني على السلاسل النووية الأساسية في مختلف دول العالم، والتي تشمل السيطرة على المعادن النادرة والمواد الأولية التي يتم استخدامها في صناعات تكوّن الطاقات النظيفة والتكنولوجيا. لذلك، هناك قلق دائم من استمرار تزايد نفوذ الصين في مختلف مناطق العالم، وأهمها منطقة أمريكا اللاتينية، مما يُسبب مشكلة جيوسياسية للمنافسين المحتملين.
حسب التقرير الذي نشرته صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست استنادًا إلى بيانات بلومبرج إن إي إف الأخيرة، فإن الصين تُعتبر “المنتج المهيمن للمعادن الأرضية النادرة والجرافيت على مستوى العالم”. كما أنها تمتلك حوالي ثلث المعادن الأرضية النادرة العالمية، وسدس الجرافيت، وثُمن احتياطيات الليثيوم. وزيادة السيطرة المهمة على المعادن في أمريكا اللاتينية يُعد جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الجيوسياسية الصينية.
إقرأ:العملة الصينية تسقط لأدنى مستوياتها منذ 16 شهر بسبب السندات الأمريكية
تمتلك الصين شركات بحصص كبيرة في واحد من أهم منتجي الليثيوم في تشيلي، كما قامت بشراء مشروع الليثيوم التبخيري الرئيسي في الأرجنتين، ووقعت عدة اتفاقيات تدعم التجارة مع البرازيل.
تُعتبر منطقة أمريكا الجنوبية من أهم المناطق التي تحتوي على الكثير من المواد الضرورية في مجالات الطاقة المتجددة، وتصنيع المركبات الكهربائية مثل الكوبالت، والنيكل، والليثيوم. تُركّز الصين على الاستثمار في قطاعات الطاقة، خصوصًا الطاقة النظيفة، التي ينتج حوالي 90% من تقنياتها الشمسية والرياح من قبل شركات صينية، والتي تم تثبيتها منذ عام 2023 في أمريكا اللاتينية.
اقرأ المزيد : الدولار العملة الأقوى في العالم … شكل فئات الدولار وما أهمية الدولار في الاقتصاد العالمي؟
عقدت بكين عدة اتفاقيات تجارة حرة مع تشيلي، وكوستاريكا، والإكوادور، وبيرو، ولا تزال تُجري مفاوضات مع أوروغواي. كما وقّعت 22 دولة في أمريكا اللاتينية على مخططات استثمارية في البنية التحتية الصينية، في إطار مبادرة الحزام والطريق (BRI).
تستحوذ شبكة الكهرباء الحكومية الصينية حاليًا على أغلب توزيع الطاقة في تشيلي، ولديها مستويات سيطرة مرتفعة في بيرو. في فبراير من هذا العام، وافقت حكومة بيرو على صفقة لشراء شركة China Southern Power Grid International المملوكة للدولة لشركتي Enel Distribución Perú وEnel X Perú، مما يمنح العاصمة ليما للصين سيطرة شاملة على توزيع الكهرباء.
شاهد:مستقبل العلاقات الأمريكية الصينية … هل تعود العلاقات بين ترامب وشي؟
صرّح المحلل السياسي والصحفي الاقتصادي باولو بينزا لوكالة الأنباء الإقليمية ديالوجو: “تريد الصين أن تكون مفتاح أمريكا اللاتينية، وأصبحت بيرو نموذجًا لهذا الجهد”.
تعاملت الولايات المتحدة سابقًا مع السيطرة الصينية على الطاقة كوسيلة لتعزيز تكثيف سلاسل التوريد الأمريكية للمواد الحيوية، ودعم قوتها المحلية لاستخراجها، وتصنيعها، وتنقيتها. ومع ذلك، كانت الصين قد نجحت بالفعل في بناء علاقات تجارية قوية في المنطقة، مما صعّب على واشنطن التقدم في هذا المجال.
المزيد من الأخبار العالمية و الإقتصادية من خلال أكاديمية MENA
أما الآن، وفي عهد دونالد ترامب، لم تعد هذه التطورات مجرد أهداف جيوسياسية، بل قد تتحول إلى صراع سياسي وجيوسياسي. ذكر مجلس العلاقات الخارجية مؤخرًا أن “إعادة انتخاب دونالد ترامب، الذي وعد بمجموعة واسعة من التدابير التجارية، بما في ذلك التعريفات الجمركية على المكسيك، قد تُشير إلى نهج أكثر مواجهة تجاه الصين في نصف الكرة الغربي”.
يرى الخبراء أن نهج ترامب شديد الإثارة للجدل ولكنه قد يُوفر بعض الاستقرار. ومع ذلك، يُنظر إلى السعي الصيني المستمر لتسريع وجودها في المناطق الناشئة من خلال مبادرة “الحزام والطريق” على أنه ليس اقتصاديًا فقط، بل يُظهر رغبة قوية في امتلاك السلطة السياسية.
أوضح تقرير مجلس العلاقات الخارجية: “تخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها […] أن تستخدم بكين هذه العلاقات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية – مثل عزل تايوان بشكل أكبر – وتعزيز الأنظمة الاستبدادية مثل تلك الموجودة في كوبا وفنزويلا”.
تُعتبر الصين الشريك الأكبر لأمريكا اللاتينية حاليًا، حيث تمتلك استثمارات مباشرة ضخمة وعمليات ائتمان، كما عزّزت علاقاتها العسكرية مع عدة دول، مثل فنزويلا، التي أضعفت الحكم الاستبدادي عن طريق فرض عقوبات اقتصادية شديدة. كل هذه الأعمال التجارية بين الصين وفنزويلا لا تُعزز فقط العلاقات بين الدولتين، بل تُخفف من أعبائهما الاقتصادية، وتزيد من قوة الصين التجارية والاقتصادية.
تمتع بتجربة تداول مميزة من خلال الأكاديمية الأقوى للفوركس و الأسواق العالمية MENA
