وول ستريت تحت وطأة الرسوم الجمركية حيث تشهد الأسواق المالية الأمريكية هذه الأيام حالة من الاضطراب غير المسبوقة، وتتأرجح المؤشرات بين الارتفاع والانخفاض في جلسات متقلبة تعكس حالة من عدم اليقين تسيطر على المستثمرين، و يأتي هذا التذبذب في أعقاب فرض حزمة جديدة من الرسوم الجمركية من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي أشعلت مخاوف من حرب تجارية شاملة قد تطول أمدها.
المؤشرات الرئيسية، وخاصة مؤشر S&P 500، شهدت تراجعاً حاداً الأسبوع الماضي بلغ 10.5% خلال يومي الخميس والجمعة فقط، وهو ما يمثل رابع أكبر انخفاض ليومين منذ عام 1950 وهذا التراجع المفاجئ وضع المؤشرات على بعد خطوات من الدخول في منطقة السوق الهابطة رسمياً، حيث يقف مؤشر S&P 500 حالياً عند مستوى 5062.25 نقطة، منخفضاً بنحو 17% عن أعلى مستوى تاريخي سجله في 19 فبراير الماضي.
تحذيرات الخبراء: سيناريوهات مرعبة على الطريق
وسط هذا المشهد المتأزم بدأ المحللون والمستثمرون يتداولون سيناريوهات أكثر تشاؤماً، بعضها يذكرنا بأحلك فترات الأسواق المالية ماثيو مالي، كبير استراتيجي الأسواق في ميلر تاباك، يرى أن انخفاض المؤشر إلى مستوى 4300 نقطة في الأشهر المقبلة أصبح “محتملاً جداً”، بل إنه لا يستبعد هبوطه إلى 4000 نقطة أو حتى أقل.
أما شركة إيفركور آي إس آي فذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث طرحت سيناريو “الانهيار الكبير” الذي قد يدفع المؤشر إلى 3100 نقطة، أي ما يعادل انخفاضاً بنسبة 50% عن الذروة التي سجلها في فبراير ومثل هذا السيناريو الكارثي سيكون مماثلاً في آثار انهيار فقاعة الدوت كوم في عام 2000، أو الأزمة المالية العالمية في 2008.
اقرأ أيضا: وول ستريت تستعد لافتتاح منخفض مع تلاشي تأثير دعم الفيدرالي
العوامل المحركة: أكثر من مجرد رسوم جمركية
في حين أن الرسوم الجمركية كانت الشرارة التي أشعلت الأزمة الحالية، إلا أن الخبراء يرون أن المشكلة أعمق من ذلك بكثير وهناك ثلاثة عوامل رئيسية تدفع السوق نحو الهاوية:
- التقييمات المبالغ فيها: ظلت تقييمات الأسهم عند مستويات مرتفعة بشكل غير مسبوق لسنوات، مدعومة بموجة من التفاؤل المفرط حول تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي. نسبة السعر إلى الأرباح (P/E) لمؤشر S&P 500 كانت عند 22.4 في فبراير، مقارنة بمتوسط تاريخي يبلغ 15.8.
- توقعات الأرباح غير الواقعية: تتوقع التحليلات الحالية نمو أرباح الشركات بنسبة 10.4% في 2025، لكن خبراء مثل نيد ديفيس يحذرون من أن الأرباح تنخفض عادة بنسبة 24% سنوياً أثناء فترات الركود.
- ضعف إنفاق المستهلكين: بدأت تظهر علامات واضحة على تراجع إنفاق المستهلكين، وهو ما لم تأخذه توقعات السوق في الاعتبار بشكل كافي.
شاهد: ارتفاع وول ستريت بشكل طفيف بعد إعلان بيانات مبيعات التجزئة
أوجه التشابه مع الأزمات السابقة
ما يمر به السوق اليوم له أوجه تشابه مثيرة للقلق مع ثلاثة أحداث تاريخية:
- أزمة كوفيد-19 (2020): شهد السوق آنذاك انهياراً سريعاً ومفاجئاً، لكنه تعافى بسرعة أيضاً بفضل الحزم التحفيزية الضخمة.
- الأزمة المالية (2008): كان الانهيار أكثر عمقاً واستمرارية، حيث فقد المؤشر أكثر من 50% من قيمته.
- فقاعة الدوت كوم (2000): تآكلت ثروات المستثمرين على مدى سنوات، حيث فقد المؤشر 49% من قيمته على مدار عامين.
اقرأ أيضا: وول ستريت تستعد للانتعاش بعد تخفيف ترامب لموقفه بشأن التعريفات الجمركية
عوامل قد تنقذ السوق من الهاوية
رغم كل هذا التشاؤم، هناك بعض العوامل التي قد تعيد الاستقرار إلى الأسواق:
- تخفيف الرسوم الجمركية: أي بادرة لتخفيف التوترات التجارية قد تطلق موجة صعود قوية.
- تدخل البنوك المركزية: قد تضطر الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة أو اتخاذ إجراءات تحفيزية أخرى.
- مرونة الاقتصاد الأمريكي: لا يزال الاقتصاد الأمريكي يظهر مرونة في بعض القطاعات، مما قد يحد من حدة الأزمة.
تمتع بتجربة تعلمية مميزة من خلال الأكاديمية الأقوى للفوركس و الأسواق العالمية MENA
