حدث ارتفاع مفاجئ في أسعار عملة اليورو بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الرسوم الجمركية الكبرى، ومن المتوقع أن يتسبب ذلك في تراجع أرباح الشركات الأوروبية بما لا يقل عن نقطتين مئويتين، ما يزيد من التأثير الناتج عن الرسوم نفسها.
وفي الغالب يتوقع الاقتصاديون حدوث تراجع في عملات الدول عند تعرضها لرسوم جمركية – ما يقلل الأضرار إلى حد ما، ولكن حدث العكس. فمنذ إعلان ترامب عن الرسوم الجمركية في الثاني من أبريل، شهدت الأسواق حالة من الفوضى الشديدة، كما تراجع الدولار الأمريكي بشكل حاد.
ومن أهم أسباب ارتفاع اليورو هو اتجاه ألمانيا بشكل كبير نحو زيادة الإنفاق، بنحو 10% منذ بداية مارس، حيث تمكنت من تسجيل مستوى قياسي على أساس الوزن التجاري – وهو مقياس رئيسي للبنك المركزي الأوروبي.
وقد تم إنجاز هذا الصعود خلال شهر أبريل، وبذلك اتجهت العملة الأوروبية نحو تحقيق أقوى أداء شهري لها منذ أواخر عام 2022.

ولكن بالرغم من ذلك، فإن تلك التطورات ليست جيدة لاقتصاد منطقة اليورو لاعتماده على الصادرات، حيث إن الشركات المدرجة ضمن مؤشر “ستوكس 600” تحصل على حوالي نحو 60% من إيراداتها من الخارج، كما أن الولايات المتحدة تحتل حوالي نصف هذه النسبة، وفقًا لتقديرات “غولدمان ساكس”.
قال إيمانويل كو، رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في بنك باركليز:
“إذا كان لديك نمو أضعف بكثير ويورو أقوى بكثير، فهذا يُشكل ضربة مزدوجة لأوروبا”.
وأضاف دينيس خوسيه، كبير استراتيجيي الأسهم في بنك بي إن بي باريبا:
“تاريخيًا، يؤدي ارتفاع مستدام بنسبة 10% في اليورو إلى تقليص أرباح الشركات بنسبة تتراوح بين 2 إلى 3%”.
كما أوضح أن ذلك سوف يتسبب في ارتفاع حالة عدم اليقين، مع استمرار تأثير الرسوم الجمركية على توقعات أرباح الربع الأول.
أشار رئيس البنك المركزي الألماني (بوندسبانك)، يواكيم ناجل، الأسبوع الماضي إلى أن ألمانيا، هي المصدر الأثقل والاقتصاد الأكبر في منطقة اليورو، وقد تعافت من “ركود طفيف” في عام 2025.
وفي نفس الوقت، قام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته لنمو الكتلة الأوروبية بشكل عام خلال العام الحالي والعام المقبل.
قد يهمك: تطورات أسعار العملات خلال الفترة من 20 إلى 26 أبريل
معاناة أعمق
توقعت بعض البنوك أن يحدث ارتفاع في اليورو إلى 1.20 دولار خلال العام الحالي، ما قد يتسبب في معاناة أعمق، حيث قامت بعض الشركات مؤخرًا باتخاذ بعض التدابير الحذرة في تعليقاتها على أرباح الربع الأول.
حتى قبل المرحلة الأخيرة من قوة اليورو، تراجعت إيرادات شركة يونيليفر (ULVR.L) خلال الربع الأول، حيث ساهم تأثير العملة في تقليص نمو المبيعات.
كما توقعت الشركة الأعلى قيمة في أسواق أوروبا، وهي شركة SAP (SAPG.DE)، أن يتسبب ارتفاع اليورو بمقدار سنت واحد إلى تراجع إيراداتها السنوية بحوالي 30 مليون يورو (34.05 مليون دولار).
وأوضحت شركة لوريال (OREP.PA) أنه في حالة استمرار اليورو عند مستوى 1.15 دولار، الذي اقترب منه الأسبوع الماضي، خلال هذا العام قد يتسبب في انخفاض صافي مبيعاتها بنسبة تصل إلى 2.9%.
بالنسبة للشركات، فإن هذا الخطر يقلل أيضًا من قدرتها التنافسية، في وقت كانت الكتلة الأوروبية بحاجة ماسة إلى دفعة حتى قبل الاضطرابات المرتبطة بالرسوم الجمركية.
وقالت ماريك بلوم، كبيرة الاقتصاديين في ING:
“نحن قارة تعتمد على التصدير، وهذا يعني أنك سترى، في المحصلة النهائية، انخفاضًا في الطلب”.
كما توقعت أن يواجه النمو في منطقة اليورو بعض التحديات، حتى وإن تم دعم المستهلكين من خلال قوة العملة عن طريق خفض تكاليف الواردات، بما في ذلك الطاقة.
كان قطاع السيارات يواجه من قبل بعض الضغوط من المنافسين في الصين، وأشادت الضغوط بعض فرص رسوم جمركية أمريكية على هذا القطاع الذي يعتبر من القطاعات الرئيسية في الصادرات الأوروبية، ومنذ أن تولى الرئيس ترامب منصبه في الولاية الثانية لرئاسة الولايات المتحدة، انخفضت أسهم شركات السيارات وقطع الغيار الأوروبية (.SXAP) بحوالي 8%، مقارنة بانخفاض أقل من 1% في مؤشر ستوكس 600.
وبالنسبة للمستثمرين في الأسهم الأوروبية، الذين يعانون أيضًا من الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن ارتفاع اليورو يجعلهم يشعرون بالحذر بشكل أكبر، ولكن أغلبهم يفضلون الاستثمار في الأسهم الأوروبية التي تعتمد على السوق المحلية وتلك التي من المرجح أن تستفيد من حزمة التحفيز الألمانية.
تعرف على: الأخبار الاقتصادية لسوق العملات للأسبوع من 28 ابريل الي 05 مايو 2025: أبرز الأحداث والتوقعات
تحديات التحوط
تواجه الشركات الأوروبية مشكلة إضافية، وهي مدى قدرتها على حماية نفسها من تقلبات العملات كما تفعل عادة باستخدام المشتقات المالية ما زال غير واضح بشكل تام.
قالت SAP للمحللين إنه تم تحوط أغلب تدفقاتها النقدية الحرة بمعدل صرف أعلى، ولذلك فقد تحدث ضربة حقيقية في عام 2026 عند انتهاء التحوطات.
وقالت جاكي بوي، رئيسة منطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا في شركة Chatham Financial لإدارة المخاطر، إنه تم زيادة نشاط تحوط الشركات خلال العام الحالي، ولكن نتيجة حذر العملاء من سعر صرف أسوأ نتيجة الهبوط السريع للدولار مؤخرًا.
تثبيت أدى إلى تباطؤ نشاط التحوط لدى الشركات مؤخرًا.
كما أضافت أن الشركات أيضًا لديها رغبة في التحوط لفترات أطول، ولكن هناك مخاوف من مخاطر الرسوم الجمركية التي قد تغير التوزيع الجغرافي لمبيعاتها وإنتاجها بشكل سريع.
تعامد أغلب الشركات على سوق العقود الآجلة (Forwards) في التحوط من تقلبات العملات، أما أغلب الشركات الكبرى تستخدم أيضًا عقود الخيارات (Options).
وقال المتداول في عقود خيارات العملات بشركة نومورا، آديت رامان، إن استراتيجية خيارات شائعة، تعرف بـ”بيع التقلبات” — حيث تحصل الشركات على مدفوعات في حال تحركت العملات داخل نطاق ضيق — قد توقفت خلال الأسابيع الستة الماضية بسبب تقلبات السوق، بالرغم من أنها غالبًا ما تحتل حوالي 25% من تحوطات العملات للشركات.
وأضاف رامان أن نومورا تنصح الشركات بزيادة استخدامها لعقود الخيارات نظرًا لعدم اليقين المرتبط بالتدفقات النقدية المستقبلية، إذ تتيح لهم هذه الأدوات بناء صفقات تسمح لهم بشراء أو بيع المزيد من اليوروهات مما كان متوقعًا في البداية.
وقال رامان:
“كانت الأسابيع الستة الماضية غير مسبوقة… لذا يتصرف الناس بحذر شديد”.
وجدير بالذكر أن كل 1 دولار = 0.8810 يورو.
تمتع بتجربة تعلمية مميزة من خلال الأكاديمية الأقوى للفوركس و الأسواق العالمية MENA