الأزمة الروسية الأوكرانية تربك النظام العالمي بعدما عانى العالم من كوفيد19 في أوائل عام 2020 ولم تتعافى البشرية مطلقاً منه، حتى باشرت روسيا عمليتها العسكرية في مناطق أوكرانيا مباغته، حيث تقول: روسيا ان عمليتها تستهدف تصحيح مسار أوكرانيا من عدم شتات مسارها السياسي ومنع امدادها بالسلاح الذي تتضرر منه هي وكان في حسبان العقلية العسكرية الروسية مسالة الإنتاج من الموارد الغذائية وتقنين تصدير الحبوب كل هذا خلق أجواء متوترة جعلت من دول الغرب تفرض عقوبات على روسيا وحظر تصديرها الي البلدان التي لا يوجد بها كفاءة لإنتاج كميات بملايين الأطنان من الحبوب لمليء وتغطية احتياج سوقها الداخلي.
تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية علي السوق العالمي والعربي
اليوم تنعكس الأزمة الروسية الأوكرانية علي السوق العالمي والعربي على وجه خاص الذي يتأثر بالمناخ السياسي ويدلي بولائه الي التبعية الغذائية لأسواق العواصم التي تقوم على توفير حاجيات ومتطلبات السوق الأساسية أمام سياسة بُلدان متدنية لا ترقى للخروج من عنق الزجاجة أو أن تتحرك لاستغلال المساحات المهولة والشاسعة في انتاج سلة غذائية؛ فيمكنهم من تصدير جزء كبير منها والانتفاع بعوائد مالية من مكتسبات هذا الاقتصاد المهمش بسبب السياسة الداخلية والخارجية؛
واعتقد بانه يمكن حل هذه المعضلة بخطوات أولها تعزيز الأمن الغذائي ذاتياً والاستغناء تدريجياً عن استيراد الحبوب من روسيا وأوكرانيا وتشجيع الاستثمار ودعم العمل المشترك الذي من شانه مقاومة التبعية والنهوض بالبلدان النامية والسوق العربية في ظروف صعبة وحين وجود أنظمة عارمة تسعي لتقويض العقل العربي وتطويع المال السائل لهم والتمسك بحالة التطبيع الغذائي مع دول تتنازع على قوتك وتنمو فوق جراحك. ويتكشف حاضراً أن الدول العربية وعواصمها لا تصمد أمام هذا المناخ المُأزم اقتصادياً أساساً لأنها تعاني من أزمات اقتصادية سلفاً؛
والتي لا تتوقف على استيراد الحبوب وانما تشمل كل اعمال الاستقرار الاقتصادي؛ وعلى ما يبدو اننا اضعف بكثير من ان نعتمد على انفسنا بسبب السياسة البائدة والرجعية من عرقلة امكان استغلال مساحات الأرض وفسح المجال لابتكار الحلول في تفكيك الازمات الاقتصادية وتجاوزها بمنطق العقل والواضح ان البلدين المتنازعين والمجاورتين متغلغلتين في قلب اقتصاد العرب ولا يمكن الاستغناء عن استيراد الحبوب بعيداً عنهم، مما يبقي الوضع الراهن تحت رحمة الصندوق الغذائي العالمي والالتزام به كلياً وإبقاء شروط التبعية التي لن ينفذ منها الاقتصاد العربي مهما اخفى او اظهر عكس ذلك.
إقرأ أيضا: تدهور القطاع السياحي يزيد أزمات الاقتصاد العالمي بسبب كورونا
التنمية المستدامة وتحديات الاقتصاد العربي بين التبعية والاستقلال
إن واقع النهضة وصنع الحضارات لا يتأتى بالقول ولا بالشعارات؛ وانما بخوض غمار التجربة والاعتماد على الموارد المعطلة ودعم أصحاب المشاريع المستدامة والزراعية منها واللجوء الي انشاء عمل مشترك يليق بالبلدان العربية ويؤسس لمرحلة الخروج من عنق الزجاجة والاستقرار بعيداً عن الابتزاز الغذائي وحالة تمويه الصمود وافساد التطبيع الاقتصادي الذي يبقينا في طابور القطيع ويزيد حالة التبعية والاشغال بالتلقي والشراء دون أي دور يذكر ونظل نحن ندور في ساقية الاستهلاك ليس الا وإننا نطمح ان نكون جزء من اقتصاد هذا العالم؛
مما يؤهلنا ان نصنع قراراً مستقلاً يدعم التنمية المستدامة التي يتم عرقلتها لأسباب داخلياً وخارجياً؛ والتخلص من مؤثرات الهزائم السلبية وتعزيز الاستثمار وانشاء المشاريع واستقطاب الكفاءات في سبيل قفزة نوعية تسجل اعتماد ذاتي في امتداد العواصم العربية القابلة للتطور لولا الواقع المفروض قديماً مع وجود ضائقة مالية معلنة؛ مع ان ثروات الوطن العربي تؤهله للارتقاء في مجال الاقتصاد والتنمية والاستدامة مع كل ما يشاع من روايات بان الغرب جعل من امننا الغذائي في خطر، لكن الصواب أن فشل التقديرات في الحاجات الأساسية من توفير الامن الغذائي غير ممكنة ولازال يتم استيرادها؛
مما يُنذر بطول هزائم اقتصادية واخفاقات سياسية وخطط تنموية ستحولنا الي عبيد حتى وان انتهت الحرب بين بلدين هما في صدارة العالم لتأمين الحبوب وتعزيز الأسواق عالمياً بها سوى أن البُلدان العربية ستظل رهينة القوى المتنازعة وترزح تحت رحمتها وضحية أوهام اختلقناها من انفسنا زادت أعباء على صعوبة خلق تنمية مستدامة قبل وبعد الحرب الروسية الأوكرانية.
تحديات الأمن الغذائي العربي في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية
أدخلت الأزمة الروسية الأوكرانية العرب في صراع دائم وهم الذين يستوردون ثلثي مواردهم الغذائية من بلدان مثل روسيا وكرانيا وسيكون ذلك موضع جدل دائم وتحدِ لهم لم يسبق له مثيل في حين تشتد المعارك بين الطرفين والعرب يعيش الفرضيات واختبار الاحتمالات في حين ان الامر ليس مسالة رياضية او قانونا يطبق ما يجري هو معركة وجود في ظل عالم متصارع متضرع لرياح التغير بوسائل الهيمنة والشر على حساب الامن العالمي، فيما خطة الطوارئ الذي هبت لها مصر وبعض البلدان العربية للحفاظ على الأمان الغذائي عبر العمل على انتاج محاصيل أساسية كانت ركيكة وبطيئة مقارنة بالأزمة الحاصلة بين روسيا وأوكرانيا وهذا سيعقد طرح الحلول العاجلة وسيدخلنا في ازمنة جيوسياسية مريضة؛
وسيكون هنالك مخاطرات اقتصادية كبيرة تمثل تهديداً جماعياً وحساساً للعاملين في إدارة الازمات الاقتصادية التي تصدر غليان وارتفاع في أسعار الحبوب بنسبة 20بالمائة مع تصاعد وتيرة قتال الروس على الجبهات ليرتفع السعر الي ما يقارب 500دولار للطن الواحد. وللمرة الأولى منذ زمن الحرب العالمية الثانية تعلن شركة سي ام اي تعليق نشاطها التجاري وتعطيل توريدها للحبوب مما يعمق الأزمة لان الحرب اججت المشكلة وسببت فب عمليات رفع الأسعار والاحتكار وجعلت مخزون القمح والحبوب لدى هذه الدول في اقل نموها تاريخياً للمرة الأولى عالمياً. الخوف يزداد من الأوهام الملتصقة في الشعوب العربية وحكوماتها وتزايد البشرية على مساحة الأرض التي لا تصلح للزراعة وهذا يدفع بنا لطوق النجاة الذي يكلف في الموازنة العربية 100مليار سنوياً كحد ادني ومع تصاعد الأزمة ستزيد نفقة الشراء مع تحمل المخاطر على عاتق البلدان المستوردة للقمح من النمسا وفرنسا والبلدان المسيطرة على أكثر توريدات الحبوب في مجال الامن الغذائي.
تفاقم الأزمات الغذائية والسياسية في العالم العربي
وتستمر الازمة وتتفاقم بعد الانتكاسات أثر النظام السياسي المهلهل والمضطرب والذي ادخل البلدان العربية قسرياً في حالة تيه عانوا منها في ظل جائحة كورونا وظهور سيطرة داعش بوضع يدهم على الكثير من ثروات الدول وصارت المسالة مزدوجة بين أزمات داخلية تنخر كالسوس في سيقان الزرع وبين أزمات الحروب والمتلاحقة عالميا مثل الأزمة الروسية الأوكرانية التي عطلت الكثير من المصالح الاقتصادية فيما كان يعتقد العرب انهم بمنأى عن هذا الصراع الحديث، وبالرجوع الي تاريخ العرب الحافل بالانقلابات والإضرابات السياسية فان هذا بالمحصلة انصب على الحال السيء في القدرة على الحلول وإدارة الدفة في ظل حرب طاحنة أخرجت العرب من الامن الي الخوف حتى بات الجميع ومنها سوريا والسودان ومصر غير قادرة على اشباع حاجتها من القمح والغذاء. في حين ان دول بأكملها تنتظر رحمة السماء؛
فإن معدل الجفاف في ارتفاع ونقص المطر بنسبة تزيد عن النصف عن الأعوام السابقة وهذا يرهق كاهل الدولة بالإضافة الي عدم استقرار أحد دول الطوق مصر فمستقبلها غير واضح المعالم في عالم مهدد غذائياً وامنياً وعسكرياً ووجودياً خاصة بعد تفجر أزمة سد النهضة الذي أثقل أعباء الساسة المصريين والفساد المتجذر في اغلب البلدان النامية والفقيرة التي تتلقى مساعدات وهي لا ترجو المعافاة او النجاة. وبلغت مجمل واردات القمح الى الدول العربية نحو 20,763 ألف طن في العام 2020، يبين بشكل جلي وواضح اعتماد العواصم العربية على الدول المصدرة وان مصيرها مرتهن لسلام هذه الدول الذي لن نخرج من عباءتها في القريب البعيد.
المزيد من الأخبار العالمية و الإقتصادية من خلال أكاديمية MENA