من أجل معرفة ما هي الأقمار الصناعية وعلاقتها بالتفوق الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة، نطرح تساؤل مهم، أنه كيف تستطيع الصين او روسيا هزيمة الولايات المتحدة الأكثر تقوقاً في أي مواجهة عسكرية محتملة؟

حيث يعتبر هذا السؤال بمثابة لُب التخطيط الاستراتيجي لكلاً من الصين وروسيا.
على الرغم من ان الولايات المتحدة تدرك ذلك جيداً، حتى أنها لا تُخفى هذا الامر في خطاباتها الرسمية مثل خطاب حالة الاتحاد على أن روسيا والصين هما حالة الخطر الأساسي عليها في هذا العالم.
وتدرك ايضاً أنها مازالت حتى هذه اللحظة بانها أكثر تفوقاً، ويعود ذلك لعدة اعتبارات واضحة أحد أهم هذه الاعتبارات، هو تفوقها بالفضاء وامتلاكها لأكبر عدد من الأقمار الصناعية في العالم.
ما علاقة الأقمار الصناعية بالتفوق الكاسح للولايات المتحدة الاقتصادي والعسكري على خصومها؟
باختصار إن هذه الأقمار تلعب دوراً متزايداً حتى اللحظة في النشاط المدني والعسكري للولايات المتحدة وغيرها من الدول.
حيث من خلال شبكة الأقمار الصناعية المنتشرة والموزعة في الفضاء تقوم الولايات المتحدة بإدارة اقتصادها العملاق وتتحكم في كل دول العالم عسكرياً.
موقع العلماء وباعتباره الموقع الخاص بإدارة نشاط الأقمار الصناعية في الفضاء، أفاد بانه حتى مارس من عام 2019 وصل عدد الأقمار الصناعية النشطة في العالم الى 2062 قمر.
منها 901 قمر خاص فقط للولايات المتحدة، يستخدم 176 قمر لأغراض عسكرية، وما تبقى للأغراض المدنية المختلفة، مقابل عدد 299 قمر فقط للصين وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة.
وعدد 153 قمر تعود لروسيا، وهذا يدل على مدى التفوق الأمريكي حتى هذه اللحظة على خصميها الصين وروسيا.
أغراض استخدام أمريكا للأقمار الصناعية
ان الولايات المتحدة تعتمد على الأقمار الصناعية بشكل كبير ومتزايد في الحياة المدنية، على سبيل المثال تستخدم في نقل احداث المباريات والأنشطة الاقتصادية والزراعية وحالة الطقس والمناخ والاتصالات، وغيرها العديد من الأنشطة المتنوعة
أما عسكريا فالولايات المتحدة تعتمد كل الاعتماد على الأقمار الصناعية في أنشطتها العسكرية سواء للاتصالات او الملاحة ورصد المواقع من خلال شبكات GPS.
أو حتى من أجل الغرض الرئيسي وهو التجسس والرصد والاستطلاع وهذا ما يمنحها تفوقاً كبيراً على خصومها.
إن جميع هذ الحقائق على ما يبدو لم تعد أمر مُسلم به، نظراً لان كلاً من الصين وروسيا على وجه التحديد بدأن بمنافسة الولايات المتحدة ليس فقط في إطلاق الأقمار الصناعية بشكل متزايد وتحديداً من قبل الصين.
إنما بدأ الأمر يصل الى مرحلة تطوير الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، والتي من شأنها تهدد سيادة الولايات المتحدة في الفضاء.
هل الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية حديثة؟
تعتبر من الأسلحة القديمة وبدايتها كانت بالتزامن مع سباق التسلح الذي نشأ بين كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقاً على صعود الفضاء، أي ما بين 50 الى 60 سنة من الأن.
وكما هو متعارف عليه بأن سباق الوصول للفضاء هو بمثابة لُب التسلح بين كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وكان لهذا السباق تفوق ملحوظ للاتحاد السوفيتي على الولايات المتحدة في بدايته في عام 1957م، الامر لم يتوقف على سباق الوصول، إنما أيضا سبقتها في تطوير أول سلاح مضاد للأقمار الصناعية.
حيث انه كان يعرف ب “القمر الصناعي القاتل “، ولمعرفة جزء بسيط ومحدد من طبيعة عمله علينا أولاً معرفة أن الأقمار الصناعية تُطلق لأربعة أغراض محددة وهى، الاتصالات، والملاحة، والاستشعار عن بعد، وأخيراً الرصد المناخي.
بينما قديما في عام 1968م، لم يكن تركيز روسيا في إطلاق الأقمار على تلك الأغراض السابقة، إنما بغرض القتال من خلال الترصد للقمر المستهدف.
وطبيعة عمله تقوم على إطلاق كُرات صلبة، تُحدث هذه الكرات عطل في القمر الصناعي الذى تم استهدافه، والبداية كانت من أجل التجريب والمناورة.
بالمقابل احتاج الامريكان الى عدة سنوات في مجاراة الاتحاد السوفيتي في تكنلوجيا الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية، ولكن نجحوا في عام 1985م، في اسقاط اول قمر صناعي يحوى طائرة من نوع P15، بواسطة صاروخ جو جو .
وفى تلك الفترة بقى الصراع محصوراً ما بين الاتحاد السوفيتي سابقاً والولايات المتحدة، حتى سقط الاتحاد السوفيتي عام 1990م، حينها بدأت الولايات المتحدة تتنفس الصعداء.
حيث انفردت في هذا المجال وتمتعت بسيادة شبه مطلقة نحو ما يقارب 30 عام تالية وصولاً الى عام 2007م – 2008م.
لكن روسيا والتي تعتبر وريث الاتحاد السوفيتي، بدأت خلال هذه السنوات تتوسل للولايات المتحدة للحد من أنشطتها العسكرية، حيث كانت أمريكا تطلق العديد من الأقمار التي تنتهك بها السيادة الروسية.
فيما بعد انضمت إليها الصين عام 2002م في جنيف، مطالبين الولايات المتحدة في الحد من أنشطتها العدائية والعسكرية في الفضاء.
مع ذلك لم يكن للولايات المتحدة أدنى حافز للاستجابة الى مُطالبات الروس أو حتى لتدخلات الصين، الامر الذى دفعهما فيما بعد الى التركيز على تطوير قدرات مماثلة.
القدرات المماثلة في مجال الفضاء.
لا تقتصر فقط على مجال إطلاق الأقمار الصناعية بشكل مُتزايد ومماثل للأقمار الأمريكية كما هو الحال في الصين، حيث يتزايد اعتمادهم الاقتصادي على الأقمار الصناعية.
إنما بدأن أيضاً في تطوير الأسلحة العسكرية المضادة للأقمار الصناعية، حيث نجح الصينيون في إطلاق أول صاروخ تجريبي ارض جو عام 2007م باتجاه أحد أقمارهم الصناعية.
على مسافة وصلت الى 530 ميل، وهى مسافة كانت تعتبر مهمة بالنسبة للأمريكان وقتها خاصة انها تقريبا نفس الارتفاع الذى يضع عليه الولايات المتحدة وحلفاؤهم اليابان أقمارهم الصناعية للتجسس على الصين.
حينها بدأ السباق يتجدد وبدلاً من ان يكون سباق ثنائي تطور ليصبح الى سباق ثلاثي مع دخول الصين مجال الأسلحة المضادة للأقمار الصناعية.
واستمرت الصين وروسيا تطوير أسلحة مختلفة لغرض استهداف الأقمار الصناعية كصواريخ أرض جو، وصواريخ جو جو، وأقمار لديها القدرة على التشويش على الأقمار الأمريكية.
حيث وصل الأمر الى مرحلة تطوير أسلحة تقوم على اطلاق ليزر من الأرض لحجب رؤية الأقمار الصناعية الامريكية وإمكانية تعطيلها.
وبالمقابل اتهم الأمريكان الصينيين حجب رؤية وتعطيل احد أقمارهم الصناعين ما بين عامي 2007-2006م.
التكنلوجيا الجديدة “Rendezvous and Proximity”
تم تطوير تكنلوجيا جديدة أخرى ومتطورة تعرف ب ” Rendezvous and Proximity ” تعنى أن القمر الصناعي يتم إطلاقه في أحد المدارات.
ويقوم بمهمة الترصد للقمر المستهدف، وبالتالي تعطيله او إحداث خلل به، حيث أن فكرته مشابه للقمر القاتل الذى تم التحدث عنه في السطور السابقة.
وهذا الامر هو بمثابه خطر كبير جدا للأمريكان خاصة ان مجال الأقمار الصناعية بمثابة عصب الحياة والتفوق الاقتصادي والعسكري لها.
لما تقدمه الاقمار لها من قدرة على إمدادهم بالاتصالات ما بين القوات المسلحة المختلفة وأفرعها، الى جانب أنظمة الملاحة التي تخدم إمكانية توجيه الأسلحة والصواريخ والقنابل الذكية والمقاتلات نحو الأهداف المرغوبة.
وأهم من ذلك الإمكانية الهائلة في الرصد والتجسس وجمع أكبر عدد ممكن من المعلومات عن كل دول العالم.
لذلك اتجهت الصين وروسيا الى التركيز على تطوير أسلحة تُمكنهم من إعطاب الأقمار الصناعية المتسلطة عليهم، وبالتالي يتم حجب رؤية الأمريكان عن محيطهم الفضائي ما يزيد من قدرة الصين او الروس من مباغتة الامريكان وشن هجمات عليها.
موقف أمريكا من تطوير سلاح الفضاء لكلاً من الصين ورسيا.
الامر الذى أدى الى إصابة أمريكا بحالة من الذعر، ولحقها تصريحات كتير من المسؤولين وتقاريرهم، كان من أهما تقرير Missile Defense Review عام 2019م بمعدل 108 صفحة تتحدث عن مدى الخطر الكبير الناتج عن تطوير دول كالصين وروسيا وغيرها أسلحة قادرة على تدمير الأقمار الصناعية الامريكية.
مع ذلك كانت النتيجة انهم بدأوا تكثيف الأنشطة المضادة، وظهر ذلك في أغسطس من عام 2019م، من خلال إنشاء سلاح الفضاء.
وسلاح الفضاء على الرغم من أنه ظهر في عام 1985، وتدريجياً تم الاستغناء عنه عام 2002م، لكن تم إعادة تطويره مرة أخرى في عهد الرئيس السابق “دونالد ترامب”.
بهدف مواجهة الخطر القادم من خصومهم الصين وروسيا، وحتى لا يتم محاولة استخدام الفضاء كنقطة ضعف ضدهم في العسكرية الامريكية.
وبناء على ما جاء سابقاً نستنتج ان الأقمار الصناعية لها علاقة وطيدة بالتفوق الاقتصادي والعسكري للولايات المتحدة، لما تقوم به الأقمار الصناعية بأدوار أساسية ومهمة.
سواء في المجالات العسكرية والاقتصادية وللأغراض الأخرى المدنية وجمع المعلومات والاتصالات وغيرها، ما يزيد من هيمنتها على باقي دول العالم.